ذلك اللقاء كان مقررا له أن يحدث منذ 52 عاما تقريبا، حينما كان الصديقان، أسامة المندوه ونبيل أبوالنجا، فى الدفعة 51 بالكلية الحربية، وكان مقدرا لهما أن يتزاملا طوال تلك العقود، لكنهما تقابلا مرة وحيدة بعد تخرجهما عام 1969 تقريبا فى مدرسة أنشاص، وهى أحد معسكرات التدريب التابعة للقوات المسلحة المصرية، التى كانت تجهز أبناءها وتعدهم فى حرب الاستنزاف، وصولا لحرب أكتوبر 1973، والتحق كل منهما بسلاح مختلف، وكان كلا الرفيقين مميزين فى مجاله، سواء الصاعقة أو الاستطلاع، ويعملان خلف خطوط العدو، كان الضابطان فى القوات المسلحة المصرية نبيل أبوالنجا وأسامة المندوه من الأبطال المميزين للغاية، فكلاهما له بطولات خاصة، سجلها الأول فى كتاب باسم «رحلة إلى جهنم»، وسجل الثانى بطولته فى كتاب باسم «خلف خطوط العدو»، وكلا البطولتين تستحقان أن تسجلان فى عمل درامى للتاريخ، يحكى سيرة الأبطال الذين شاركوا فيهما، ويسرد التفاصيل التى تحمل كنوزا من التضحية والفداء، قاما بها البطلان والمجموعة التى عملت معهما، ونعود لعام 1969 حينما تفرق الصديقان كل فى طريقه، فأكمل اللواء نبيل أبوالنجا فى الصاعقة المصرية، واستمر اللواء أسامة المندوه فى الاستطلاع ثم التحق بجهاز المخابرات العامة المصرية، حتى تخرج فيها وكيل أول، لكن الأقدار لم ترتب لهما لقاء طوال 52 عاما، حتى قررنا فى «اليوم السابع» تنسيق ذلك اللقاء، لعله يحمل تفاصيل تفيد الأجيال، ورسائل يمكن الاستفادة منها والاسترشاد للأجيال القادمة، واعتمدنا على تسجيل تلك اللحظات على تليفزيون «اليوم السابع»، فقررنا ومجموعة العمل أن نضع ذلك فى منتج وثائقى بعنوان «لقاء مؤجل» يعتمد فى مضمونه على لقاء البطلين بعد 52 عاما تقريبا.
وبالفعل بدأنا التسجيل مع اللواء نبيل أبوالنجا، وقررنا عدم إخبار اللواء المندوه باللقاء الذى يتم ترتيبه، بل ذهبنا إليه تحت عنوان «ملف أكتوبر»، وهى مجموعة من الحوارات الصحفية، التى تتم مع أبطال أكتوبر كل عام، وذهبنا بالفعل حتى نرى تلك اللحظة المنتظرة، وقبل أن نصف تلك اللحظة وتشاهدونها على موقع وتليفزيون «اليوم السابع» فى فيلم «لقاء مؤجل»، وهو الاسم الذى اخترناه عنوانا للفيلم الوثائقى، الذى يعرض على تليفزيون «اليوم السابع»، باعتبار أن اللقاء بين البطلين المصريين كان مؤجلا منذ أكثر من خمسين عاما، حتى قدرت الظروف أن يجتمعا مرة أخرى.
بطل الصاعقة: لم أتوقع حدوث اللقاء أبدا.. واللواء المندوه: طبيعة عملى حالت دون لقائنا
يقول اللواء نبيل أبوالنجا، أحد أبطال حرب أكتوبر: إن الشباب عليه أن يعى فكرة الدولة المصرية، وفكرة الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها، وعليهم أن يعرفوا قيمة مصر وحضارتها ودورها فى التاريخ، مشيرا إلى أن مصر عليها حق وواجب على كل مصرى أن يحافظ عليها، ويعى قيمتها الحقيقية، ويستمر كل منا فى عمله بإخلاص وأمانة، حتى نستطيع منافسة الأمم والدول الكبرى.
ويشدد اللواء نبيل أبوالنجا على أن المهمة التى كلف بها وقت حرب أكتوبر، التى سجلها تحت اسم «رحلة إلى جهنم»، لا تمثل بطولة شخصية له، ولكنها بطولة جماعية مثلها مثل آلاف البطولات التى يزخر بها الجيش المصرى والدولة المصرية على مر التاريخ، وعن سيرة «الرحلة إلى جهنم»، يشير إلى أن الأبطال الذين شاركوا فيها خمسة أفراد، ثلاثة منهم من الهجانة وحرس الحدود، وهم الرقيب أول السنوسى كاف أمين، وكان عمره وقتها 54 عاما، وعريف متطوع أحمد صالح، وعريف متطوع محمد فراج، ومندوب من قبائل الترابين والحويطات، وكان شيخا عمره 84 عاما، ومعهم النقيب نبيل أبوالنجا.
يبدأ اللواء نبيل أبوالنجا بسرد البطولة التى تمت فى حرب أكتوبر، وهى مهمة مستحيلة تشهد لها المعاهد العسكرية فى العالم، تتكون من 6 محاولات لإيصال مؤنة ومساعدات وأسلحة للقوات المصرية خلف خطوط العدو، حتى إن المحاولة الأخيرة تمت بمشاركة 50 جملا كقافلة تخترق قناة السويس والساتر الترابى وقوات العدو، حتى تصل لتنفيذ مهتمها رغم كل المشاهد التى نعرفها جميعا عن الحرب، ورغم كل أجواء الحرب التى كانت مشتدة عن آخرها، وقت تنفيذ المهمة التى كانت بداية من السبت 6 أكتوبر 1973، وحتى الخميس 11 أكتوبر، مؤكدا أن مهمته تمت بنجاح 100 %، رغم إصابة بعض الأفراد فى المجموعة.
ويشرح بطل الصاعقة المصرية، نبيل أبوالنجا، المحاولات الست للمهمة المستحيلة التى شارك فيها، بأن المحاولتين الأولى والثانية كانتا بطائرات الهليكوبتر، والمحاولة الثالثة بالقوارب السريعة، والرابعة بالعربات المدرعة يوم الأحد 7 أكتوبر، وبعدها المحاولة الخامسة بالطائرات الشراعية، وأخيرا المحاولة الأخيرة كانت بقافلة الجمال، معتبرا العملية بأنها كانت انتحارية، مؤكدا أن نجاح مهمته ساعد أبناء الجيش المصرى فى منع اللواء المدرع للجيش الإسرائيلى من التقدم، الذى كان مروره سيدمر قوات المشاة المصرية غرب القناة، حيث تضمنت مهمته العمل خلف خطوط العدو ولمسافة 80 كيلو متر فى العمق لمنع الألوية المدرعة الإسرائيلية فى المضايق من المرور وإعاقة حركتها حتى يتثنى للقوات المصرية العمل فى أجواء أفضل أثناء العبور، واصفا العملية بأنها «عملية حياة أو موت» كان يترتب عليها تطورات فى مسرح العمليات.
وعن مفهوم التضحية والفداء فى حرب أكتوبر، يؤكد أن الحرب كانت النموذج الأعظم فى مفهوم التضحية الحقيقية، وتكونت صداقات استمرت حتى نهاية العمر، وذلك لأن الأبطال الذين شاركوا فى الحرب شاهدوا بأعينهم التضحية والفداء وكل معانى الرجولة فى أعين زملائهم، ولذلك استمرت الصداقة بينه وبين كل من شاركوه وقت الحرب، ومنهم الفريق جلال الهريدى، رئيس حزب حماة الوطن الحالى، ومؤسس الصاعقة المصرية، وكذلك الشهيد العقيد فتحى عباس حتى وفاته، والكثير من الأبطال الذين امتد بهم العمر حتى الآن، مؤكدا أنه يذهب وزوجته إلى المجندين الذين خدموا معه وقت الحرب ليحضر أفراح أولادهم وأحفادهم، متمنيا أن يرى فى يوم من الأيام أى فرد فى القوات المسلحة خدم معه وقت الحرب ولم يلتقيا حتى الآن، متذكرا صداقته بالإعلامى الراحل حمدى الكنيسى، الذى يصفه بالبطل القومى الذى شارك ببسالة وأمانة وإخلاص فى الحرب، وسجل كثيرا من البطولات فى كتاباته وكتبه، وكذلك الراحل جمال الغيطانى، الذى شارك بكتاباته وكتبه فى الحرب، وكان الراحلين من أبطال المراسلين العسكريين وقت الحرب.
ويتذكر اللواء نبيل أبوالنجا، مواقفه مع الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر، الذى كان بطلا فريدا ومن طراز خاص، وقد علم أبناء الجيش المصرى وقتها معنى الفدائية والإخلاص، وكان أسطورة فى العلم العسكرى، ولا يترك أبناءه من الجيش ويعلمهم دائما، حتى إنه سأله فى يوم من الأيام عن ساعته والورقة والقلم فى حوزته، قائلا له:«الضابط ساعة وقلم وورقة»، حتى يسجل كل ما يدور فى ذهنه ولا يترك الأمور لذاكرته، والساعة تمثل الانضباط الكامل للضابط، فالجزء من الثانية يؤثر فى قرار الضابط، وهو مسؤول عن أفراد ومعدات لا يجب التفريط فيهم.
وعن لقائه باللواء أسامة المندوه، يتذكر اللواء نبيل أبوالنجا أنه فى أوائل الستينيات كان مساعدا فى الكلية الحربية، واللواء أسامة المندوه رقيبا أول، قائلا:«المندوه كان دفعتى وحبيبى»، وكنا أوائل الدفعة ونحب بعض للغاية، وكان المندوه مقربا لقلبى لأننى أعلم جيدا ما قدمه لمصر، خاصة أن كلا منا يعمل خلف خطوط العدو، وتقابلنا وقت حرب الاستنزاف فى المدارس العسكرية المختلفة أثناء التدريبات، وتفرقنا منذ 1969 تقريبا، لكننى كنت أسمع عنه أخبارا طيبة من القبائل والعسكريين، فى ظل سطوع نجمه والبطولات التى قام بها، وكان أهالى سيناء يعرفونه جيدا لعمله خلف خطوط العدو.
ورغم عدم لقائهما منذ أكثر من خمسة عقود، يقول أبوالنجا: «إن اللواء المندوه فعل لمصر الكثير، ولذلك فهو شخص محبوب ويحبه الجميع، ومجرد ذكر اسمه يمثل بطولة من نوع خاص، ويمثل ثقلا كبيرا وكان مميزا منذ صغره»، ويتذكر أنهما تدربا معا لوقت كبير فى نهاية الستينيات، ومنذ ذلك الحين لم يلتقيا، متمنيا لقائه فى أى وقت وأى مكان، خاصة أنهما منذ أكثر من 50 سنة لم يتقابلا، معتزا بذلك اللقاء ويتمنى من الله أن يتقابلا فى أسرع وقت ممكن.
وطالب اللواء أبوالنجا فى نهاية حديثه، بضرورة الاهتمام بالأعمال التى سجلها أبطالها فى كتب توثق وتؤرخ لما تم فيها، والانتقال بتلك الأعمال من الكتابة لمرحلة العمل الدرامى، حتى يستفيد منها الأجيال القادمة، خاصة فى ظل معركة الوعى التى تتم ضد الوطن، خلال العشر سنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن كتابه «رحلة إلى جهنم» يمكن تحويله لعمل درامى ملىء بالتفاصيل التى تثرى أى عمل سيتم.
أبوالنجا: اللواء المندوه فعل الكثير لمصر.. المندوه: اللواء أبوالنجا رجل فى منتهى الجدية
رحلة اللواء أسامة المندوه، الوكيل الأول السابق لجهاز المخابرات العامة، متميزة وفريدة من نوعها، سواء عمله فى صفوف القوات المسلحة، ومهمته خلف خطوط العدو، وحتى انتقاله للعمل فى جهاز المخابرات المصرية، وطوال تلك الرحلة لم يتخل عن شخصيته المميزة، التى تعتمد على القراءة والثقافة وتطوير النفس والذات بشكل دائم ومستمر، ولم يتخل عن علاقته ببلده أبوذكرى مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية، وحينما ذهبنا إليه كنا نعرف تماما أن اللقاء مع اللواء نبيل أبوالنجا سيكون له شكل العسكرية المصرية المحافظة، وهو ما حدث فى فيلم «لقاء مؤجل»، لكننا قبل اللقاء حرصنا على تذكر رحلة اللواء المندوه خلف خطوط العدو، حتى نذكر الشباب والأسر المصرية بها، ليعرفوا قيمة التضحية والفداء، وكذلك فكرة الذاكرة المصرية الحاضرة طوال 50 عاما فرقت الصديقين، حتى تجمعا بعد أكثر من 52 عاما، متذكرين أصدقائهم وأبناء دفعتهم.
يتذكر اللواء أسامة المندوه، أن مهمته خلف خطوط العدو فى حرب أكتوبر كانت مستحيلة فى وقتها، بذل فيها مجهودا كبيرا هو ومجموعته، وهى المهمة التى نفذها بروح قتالية، معتبرا أن فكرة العمل الجماعى هى الأساس فى حرب أكتوبر، وهى المنظومة التى نجحت فى تنفيذ المهمة الرئيسية فى استعادة الأرض والكرامة، وحقق الجيش المصرى انتصاره التاريخى فى حرب 1973، فى فترة قياسية استمرت 6 سنوات من 1967 وحتى 1973.
يعود اللواء المندوه بنا لبداية حياته، قائلا: إنه من مواليد قرية أبوذكرى بمركز دكرنس فى محافظة الدقهلية، تعلم فى القرية ومن والده العديد من الأمور التى ظلت معه طوال حياته، ومنها فكرة دعم العمل الجماعى، والاهتمام بعمله وبتفاصيله فى المقام الأول، مضيفا أنه دخل الكلية الحربية دون علم والده، حتى إنه نجح فى الاختبارات وبعدها أخبر والده بنجاحه، فقال له «على بركة الله»، وبدأ حياته فى العسكرية المصرية، وتخرج فى عمر 19 عاما.
ويقول اللواء أسامة المندوه: إنه تخرج فى الكلية الحربية بعد نكسة 1967 مباشرة، وهى الحرب التى لم يشارك فيها الجيش المصرى كمواجهة مباشرة، مؤكدا أن التحول الذى فعله المصريون فى فترة الست سنوات من 1967 وحتى 1973 تعتبر فترة غير تقليدية، فكانت القوات المسلحة تعول على ترتيب أوضاعها والانتقال لمرحلة الدفاع النشط، ثم الحرب والانتصار، وعن مهمته وقت الحرب، يتذكر اللواء المندوه أن الجيش المصرى ضحى بالغالى والنفيس من أجل استعادة الأرض، وقام بمهام مستحيلة منها ما خلف خطوط العدو، وكان هناك تسابق من المقاتلين لمن يخرج فى مهمة خلف خطوط العدو.
ويؤكد اللواء أسامة المندوه، أن مهمته كان مقررا لها أن تكون 9 أيام، لكنها امتدت لفترة 6 أشهر، بدأت يوم 6 أكتوبر باتصال من القيادة بأن يخرج النقيب أسامة المندوه فى مهمة خلف خطوط العدو، وكانت المهمة أن يخرج فى نفس اليوم وبسرعة، فقام باختيار فرد لاسلكى معه فى المهمة، اعتمد فى اختياره على أن يكون منضبطا، حيث اختبر مجموعة من العساكر قبل أن يختار فرد اللاسلكى منهم وهو العريف فتحى، متذكرا أن العريف فتحى بعد عمله فى الجيش التحق بكلية دار العلوم وعمل فيها مدرسا حتى وفاته، بالإضافة إلى أن مجموعته ضمت دليلا من البدو، تحركا يوم 6 أكتوبر بعد آذان المغرب، ووصلا للمطار العسكرى، وانتقلا بالطائرة الهيلوكوبتر التى ألقت بهم فى مكان خلف خطوط العدو أثناء عبور قوات المشاة لقناة السويس.
ويضيف اللواء المندوه، أن شعوره بعبور القناة وقت الحرب كان إحساسا مختلفا، وهو يرى المقاتلين يقيمون الكبارى والساتر ويعبرون القناة، واصفا المشهد بأنه بديع ومختلف لم ير مثيله فى حياته، حتى وصل للنقطة التى مكث فيها لمدة 6 أشهر هو والعريف فتحى والشيخ حسب الله، ويكشف اللواء المندوه أن تغذية المجموعة طوال 6 أشهر عبارة عن قطعة خبز، يتم تقسيمها إلى 3 أثلاث، وكان مسؤولا عن تحضيرها الشيخ حسب الله، الدليل المرافق للمهمة.
ويتوقف اللواء المندوه عند طبيعة مهمته، التى جعلته يرسل لقيادته بالقوات المسلحة كثيرا من المعلومات عن تحركات العدو، وكذلك تسجيل الأسلحة والمعدات التى يمتلكها العدو الإسرائيلى، وكذلك تطورات الجبهة وكلها ملاحظات بناها على مدار 6 أشهر، حتى إنه فى وقت من الأوقات، وبناء على المعلومات الغزيرة الواردة للجيش المصرى من قلب العدو الإسرائيلى، رصدت إسرائيل المجموعة، حتى إن ضابط مخابرات إسرائيلى طلب من البدو التعاون معه لكشف رفات الشهيد طيار عاطف السادات، الذى استشهد أثناء قصفه مطار المليز، كما قام بجمع البدو، وطلب تعاونهم معه لتقديم معلومات عن مجموعات الاستطلاع المصرية بالمنطقة، ثم خرجت عربات إسرائيلية مشطت المنطقة ومعها مجموعات عمل طوبوغرافية، ظلت تقترب إلى الحد الذى جهز فيه هو والعريف فتحى أسلحتهما للاشتباك معهم، لكن لم يستدل الجيش الإسرائيلى عليهما.
فى مارس 1974 صدر قرار من الجيش بانتهاء مهمته، والرجوع من سيناء، هى ومجموعة مشابهة كانت موجودة فى نقطة أخرى، والتقوا بعدها بالقائد العام للقوات المسلحة وقتها المشير أحمد إسماعيل، وكان قد منحهم «نجمة سيناء» أثناء تنفيذ مهمتهم وقبل رجوعهم.
يتذكر اللواء المندوه علاقته باللواء نبيل أبوالنجا، بأنه دفعته بالكلية الحربية، وحينما تدرب فى الصاعقة كان اللواء نبيل معلما بمدرسة الصاعقة، واصفا اللواء نبيل بأنه يشبه الصخرة القوية، فهو رجل صاعقة مصرية، وله صفات أبناء الصاعقة المصرية، متذكرا أنهم كانوا أصدقاء وقت الكلية الحربية، قبل أن تتفرق بهما السبل فى الحرب، وبعد ذلك فى طبيعة العمل، مشيرا إلى أن المواقف بين الطلبة لا تنسى، فهو كان جناح مدرعات، واللواء نبيل كان جناح مشاة، وتوزعا عقب التخرج، كل فى سلاحه، ولم يلتقيا منذ أكثر من 52 عاما.
ويضيف اللواء المندوه، أن اللواء أبوالنجا كان رجلا فى منتهى الجدية، متميزا بين أقرانه من الدفعة بالانضباط والالتزام، وكان اللواء نبيل شخصية جميلة منذ نعومة أظافره، ولذلك كانوا أصدقاء فى الكلية الحربية، حتى تفرقا ليشق كل منهما طريقه، خاصة فى ظل عمل اللواء المندوه خارج مصر معظم خدمته.
لقاء مؤجل منذ 52 عاما
اللقاء الذى جمع البطلين المصريين اللواء أسامة المندوه، واللواء نبيل أبوالنجا، كان عسكريا بامتياز، فكلا الشخصين له جانب العسكرية المصرية المحافظة والصارمة، ورغم أن كلا منهما ليس فى الخدمة حاليا، لكن طبع وطبيعة العسكرية المصرية كانت واضحة فى التفاصيل، فكان اللقاء المفاجئ يحمل نوعا من الدهشة والاستغراب، فهو اللقاء الذى حدث بعد 52 عاما تقريبا من لقائهما الأخير، وكلاهما نجح فى مجاله وتميز فى عمله، ووصل لأرقى وأعلى الدرجات، ورغم مرور العقود بينهما، فإنهما ظلا يتذكران زملاءهما فى الدفعة، وكيف شق بعض منهم طريقه، وظل فى ألفة ومودة مع أصدقائه، وظلا يتحدثان أمام الكاميرا لأكثر من ساعة، ويسردان قصصا من شبابهما فى الكلية وكذلك حرب الاستنزاف، وحرب السادس من أكتوبر، ثم فتح كل منهما كتابه الذى سجل فيه بطولته، وأخذ يتذكر بعضا مما فيه للآخر، فكان اللواء المندوه يتحدث عن بطولته التى سجلها فى كتابه «خلف خطوط العدو»، وفيه البطولة التى ذكرنا بعضا من سطورها فى بداية الحديث، وذهب اللواء نبيل أبوالنجا فى حديثه حول بطولته التى سجلها فى كتاب «رحلة إلى جهنم».
ظل الرفيقان يتحدثان حول ما ورد فى كتابيهما متذكرين المواقف والأشخاص، ثم كان الحديث حول الأبناء والأسرة والعمل، وكيف تفرقت بهما السبل، لكن المفارقة العجيبة والغريبة أنه رغم مرور أكثر من خمسين عاما على حرب أكتوبر، فإن الاثنين لم يبتعدا عن سيناء، فكان مجال اهتمام اللواء المندوه سيناء ومشاريع التنمية والتعمير، بينما أسس اللواء أبوالنجا مؤسسة لدعم أبناء سيناء ومقرها العريش، فكانا الاثنين بلا ترتيب يجتمعان فى سيناء مرة أخرى، وكلا منهما له اهتماماته فى التنمية والتطوير والتعمير لأبناء أرض الفيروز، لأنهما يعلمان قيمة سيناء وقيمة التضحية التى بذلت فيها من أجل عملية الكرامة واسترداد الأرض التى تمت فى حرب السادس من أكتوبر، وكانت التضحية بالغالى والنفيس لرجوع لأرض واستعادة الكرامة الوطنية، ولذلك عملا الاثنين على خدمة سيناء حتى آخر نفس منهما، وأيضا لم يكن مقدرا لهما ولو بالصدفة أن يلتقيا، فقط كل منهما يسمع عن الآخر فى التليفزيون، وربما حاولا فى وقت من الأوقات الوصول لأداء اتصال بينهما، لكن أيضا لم تقدر لهما الظروف أن يلتقيا، حتى تهيأت الظروف بين فريق عمل «اليوم السابع» لأن يقوما بتلك المهمة، حتى نكون شاهدين عليها، ونرى فرحتهما، والشجن الذى ظهر فى تفاصيل اللقاء والحديث عن ذكريات ربما كان قد طواها الزمن