تمر، اليوم، الذكرى الـ1620 على قطع القوط الغربيون بقيادة ألاريك الأول جبال الألب وقيامهم بغزو واحتلال شمال إيطاليا، وكان القوط شعبًا جرمانيًا من البدو الرحل الذين جابهوا الحكم الرومانى فى أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الميلادى، وساعدوا فى سقوط الإمبراطورية الرومانية بعدما سيطرت على معظم أوروبا لعدة قرون، ويقال إن صعودهم يمثل بداية فترة العصور الوسطى فى أوروبا.
وجرى الإشارة إليهم أولاً من قبل المؤرخ (هيرودوت) باسم السكوثيون أو الإصقوث، ولكن تجدر الإشارة إلى أن (هيرودوت) كان يميل إلى التعريفات الشاملة للأشخاص الذين اعتبرهم "برابرة" وربما وصف القوط "بشعوب الساكا" لأنهم ببساطة عاشوا في المناطق المحيطة بالبحر الأسود، وهى أراضى السكوثيون سابقًا.
وقد عرفهم المؤرخ الروماني تاكيتوسر وذكرهم هناك في بحثه "جرمانيا"، وكانوا أكثر تنظيماً من بقية القبائل الجرمانية، وقد وسَعوا مناطق سكناهم في صراعهم مع الڤاندالر نحو الشرق والجنوب.
بدأ القوط منذ أواسط القرن الثاني الميلادي هجرتهم في مجموعات صغيرة إلى شواطئ البحر الأسود الشمالية، وبدأوا منذ عام 238م على الأبعد بمهاجمة أراضى الإمبراطورية الرومانية، واشتدت هذه الهجمات فى السنوات التالية بسبب الأزمات السياسية والعسكرية التى كانت تمر بها الإمبراطورية، وفى عام 251م جرت معركة كبيرة التقى فيها الأمبراطور دكيوس Decius بالقوط فلقى هزيمة قاسية وقتل فى تراقية.
فى عام 257م هاجموا آسيا الصغرى ونهبوا المدن الإغريقية على شواطئ البحر الأسود، وسقطت مدينة إفسوس Ephesos فى أيديهم فنهبوها ودمروا هيكل أرتميس Artemis الشهير، ثم قاموا بالإغارة على سواحل بحر إيجة واليونان عام 267م، وانقضوا على مقدونية وحاصروا مدينة سالونيكى Saloniki حتى تصدى لهم الإمبراطور كلاوديوس الثاني Claudius II الذى هزمهم هزيمة منكرة عام 269 ونال لقب جوتيكوس Gothicus، أى قاهر القوط.
ومنذ منتصف القرن الثالث بدأ القوط ينقسمون إلى مجموعتين قبليتين كبيرتين هما: القوط الغربيون والقوط الشرقيون، وصار لكل منهما تاريخه المستقل.
احتل القوط الغربيون Visigoths ولاية داكيا عبر الدانوب "رومانيا حالياً"، فاضطر الامبراطور أوريليان Aurelianus إلى سحب الإدارة والجيش الروماني منها نحو عام 275م.
أما القوط الشرقيون Ostrogoths فشكلوا مملكة كبيرة فى أوكرانيا التى بقيت فى أيديهم حتى الاجتياح المغولى، وقد قاوموا هجوم الهون (370م)، مقاومة شديدة، ولكنهم هزموا وقتل ملكهم فاستسلم قسم منهم وفرّ الباقون إلى مناطق القوط الغربيين، الذين لم يتمكنوا أيضاً من الصمود أمام الهون الذين أوقعوا بهم هزيمة منكرة، فاضطروا إلى التراجع أمامهم وعبروا نهر الدانوب بعد أن أذن لهم الرومان، وأقاموا في ولاية موسيا Moesia (شمال بلغاريا).
لكن القواد الرومان أساءوا معاملتهم فتمردوا وهاجموا تراقية وعاثوا فيها نهباً وتدميراً، فأسرع الامبراطور فالنس Valens للتصدي لهم، ولكنه لقي هزيمة كاسحة في موقعة أدرنة Adrianople عام 378م، فأبيد جيشه وخر صريعاً في أرض المعركة، وكانت هذه من أكبر الهزائم في التاريخ الروماني، وزحفت جموع القوط المنتصرة على القسطنطينية ولكنها عجزت عن اقتحامها.
وأظهرت هذه المعركة أنه صار من المستحيل هزيمة القوط بقوة السلاح، فعرض عليهم الإمبراطور تيودوسيوس Theodosius الاستقرار على تخوم الامبراطورية، وعقد معهم اتفاقاً Foedus يقضي بأن ينزل القوط الشرقيون في بانونيا ويستقر القوط الغربيون في شمال تراقية، واعترف لهم بالاستقلال الذاتي وأعفاهم من الضرائب ورتب لهم عطاءات مجزية مقابل الخدمة العسكرية، واختار عدد كبير منهم أن يدخل مباشرة في خدمة الامبراطور، وبدأت العناصر الجرمانية تهيمن على الجيش الروماني وجاء منها كبار قادته.
كان القوط في القرن الرابع قد اعتنقوا المسيحية وفق المذهب الآريوسي Arius، بعد أن قام القديس أولفيلا Ulfilas بترجمة الإنجيل إلى اللغة القوطية وكان ذلك أول إنتاج أدبي جرماني.