الادخار ثقافة مهمة، تعرفها كل المجتمعات المتقدمة في العالم، فالدولة القوية دائماً ما يمتلك مواطنوها مدخرات تدعم قدرتهم على مواجهة أعباء الحياة، وتمكنهم من تكوين حياة مستقرة وهادئة في فترات فقدان وظائفهم أو مرحلة التقاعد والمعاش، بل تعطيهم ميزة نسبية على اقتناص فرص، ما كانت ستتاح لهم إذا لم تتوافر لديهم المدخرات الكافية للفوز بها، وهذه فكرة يسميها المصريون "القرش صياد"، وهي صحيحة 100%، فالأشخاص الأكثر ادخاراً اوفر حظاً من غيرهم في الحصول على فرص ومزايا أفضل.
ليس شرطاً أن تدخر القليل أو الكثير، لكن المهم أن تدخر، وتنشأ لديك هذه الثقافة، خاصة في ظل تزايد أعباء الحياة بصورة ملحوظة، وارتفاع معدلات التضخم في كل دول العالم، لذلك بات حتمياً أن تنتشر ثقافة الادخار لدينا، ونتخلص من مفهوم "يوم بيوم وشهر بشهر"، والمنطق الفاسد الذي يقول "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، وهي عبارة لم تأت في القرآن أو السنة أو الكتب المقدسة، لكنها مجرد قول شائع، يحرض الناس على البذخ والإسراف، وأن يظلوا فقراء طيلة حياتهم، دون مدخرات، يعيشون كفافاً حتى ولو كانت دخولهم معقولة.
الكل يخدعنا دائما بشعار الفقر "انفق ما في الجيب"، ويتجاهل الآية الكريمة التي تقول:" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً"، وهي دليل واضح وحض صريح على تجاوز البخل، ودعم الوسطية والادخار، كما أن الآية الكريمة تقول أيضا:" والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً"، وهى دليل آخر على الوسطية والاعتدال في الإنفاق، والتحفيز على الادخار، الذى به تنهض الشعوب، وترتقى حياة الفرد، وتتغير أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، ويصبح أكثر قدرة على إدارة أمور حياته ومواجهة الظروف والمتغيرات والطوارئ.
الخبرة وتجارب الحياة تقودنا دائما إلى فكرة مفادها أن الأوضاع وإن كانت مستقرة وجيدة، لكنها ليست مستمرة ودائمة، فتقلبات الظروف، ترسم دائماً لطريقنا متغيرات ومسارات مختلفة وجديدة، كما أن خريطة الفرص، تخضع دائماً لضوابط أعقد مما نتصور، لذلك يجب أن نستعد دائماً لكل متغير وطارئ، وهذا لن يحدث إلا من خلال الادخار وتنمية هذه الثقافة، فلا يجب أن نظل نفكر بنفس الطريقة، ونتصور أن الأوضاع سوف تسير بالهدوء المعتاد طيلة الوقت، لذلك علينا التخطيط لحياتنا بصورة أفضل، حتى نستمتع بها كما ينبغي، دون إسراف أو مبالغة.
يمارس الكثير منا ثقافة الادخار بصور مختلفة، من خلال الشهادات البنكية أو "الجمعيات" - صورة شائعة لدى أغلب الناس خاصة في القرى والأرياف - بالإضافة إلى وضع الأموال في المعادن بأنواعها، الذهب الفضة الألماس وغيرها، أو شراء الأسهم في أسواق المال أو السندات الحكومية، فكلها أدوات ادخارية، قد تتفاوت معدلات الفائدة في كل منها، إلا أنها وسائل ممكنة ومتاحة للجميع، وقرار تفضيل أداة على أخرى يعود للمستهلك ذاته وخبرته في التعامل معها، لذلك على الإعلام وكل المعنيين بالثقافة الجماهيرية أن تهتم بتوفير المعلومات والبيانات والأرقام عن كل هذه الأدوات، حتى يتمكن المواطن في النهاية للوصول إلى الأدوات المثالية، التي يضع فيها مدخراته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة