مصر ليست فى حاجة إلى أن تتحدث عن تاريخها أو عمقها الحضارى، كدولة عظمى لها تأثيرها عبر التاريخ، وهى – فى نفس الوقت – عندما تنظم مؤتمراً أو مهرجاناً، لا تريد الدخول فى منافسة مع آخرين إقليمياً أو دوليا فقط هى تشير وتعطى الضوء إلى فضل الحضارة المصرية، وإلى دور الكبير للفنان المصرى عربياً ودولياً.
قبل يومين تشرفت بدعوة كريمة من الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، بحضور حفل افتتاح مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية فى دورته الثلاثين، افتتاح يليق بحجم مصر ودورها المحورى فى المنطقة وتأثيرها فى العالم، كأمة مؤمنة بدور الفن، ومنتجة لكل أشكاله وأنماطه، ومخرجة لأجيال متعاقبة من الفنانين والمبدعين، على مر الزمان.
قبل مائة عام من الآن، وتحديداً عام 1921، كتب شاعر النيل حافظ إبراهيم رائعته، "مصر تتحدث عن نفسها"، فى حفل تكريم أقيم بمناسبة عودة عدلى يكن إلى أرض الوطن، بعد قطعه للمفاوضات مع الإنجليز، وهى القصيدة التى تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم فى خمسينيات القرن الماضى. تحدث شاعر النيل عن "عبقرية مصر" بقوله: "أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق ودراته فرائد عقدى .. إن مجدى فى الأوليات عريق من له مثل أولياتى ومجدى".
ليس غريباً على مصر أن تتحدث عن "فنها"، ودورها فى الموسيقى العربية، خلال هذا المهرجان والمؤتمر، الذى تشارك فيها كل الدول العربية تقريباً، فمصر عرفت الآلات الموسيقية منذ أزمان بعيدة، وهو ما توضحه نقوش الجدران على معابد الفراعنة القدماء، وبعض من هذه الآلات لازالت قائمة وحاضرة وشاهدة على مجد مصر.
اللافت للنظر، فى هذه الدورة - كما أكد د. مجدى صابر رئيس هيئة دار الأوبرا- أن مهرجان الموسيقى العربية، يمثل قيمة كبرى، فهو الأكبر على مستوى الوطن العربى، وهناك مساع لدى الجميع لخروجه على مستوى عالٍ من الاحترافية والتميز، وأن هناك نحو 15 حفلة فى الدورة لعدد 15 نجمًا فى القاهرة.
عظمة مصر تجلت فى افتتاح الدورة 30 لمهرجان الموسيقى العربية والتى تم إهداؤها إلى روح الموسيقار جمال سلامة والرائع عبده داغر، وحرصت إدارة المهرجان برئاسة جيهان مرسى، على إبراز النقاط الأصيلة منها عرض فيلمين عن الراحلين الموسيقار جمال سلامة والموسيقار عبده داغر، وآخر تسجيلياً يستعرض تاريخ المهرجان فى 30 عاما، إلى جانب افتتاح معرض مشترك لفنون الخط العربى لكل من أحمد إبراهيم ومكرم إبراهيم بقاعة صلاح طاهر، بحضور نقيب الخطاطين العرب مسعد خضير البورسعيدي.
وجاءت لمسة وفاء الحقيقية للموسيقار جمال سلامة، عندما عزفت د.إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة على آلة الفلوت لحنى "حبك واستيقظى يا أمتي" من مؤلفات الراحل بقيادة المايسترو ناير ناجي، وعدد من أعماله الأخرى منها "حبيبى دائما، ولكن شيء ما يبقي" ولعب سولوهاتها على آلة الكمان الدكتور حسن شرارة. وقدمت المطربة ريهام عبد الحكيم أغنية "يا أمة العرب"، والمطرب أحمد إبراهيم أغنية "مصر أنت الروح"، وأغنية "لا إله إلا الله" أداء ياسر سليمان، بالإضافة إلى مختارات من إبداعات الموسيقار الراحل عبده داغر بقيادة المايسترو هانى فرحات وتوزيع اوركسترالى د.خالد داغر ومحمد عبد الله منها لونجا نهاوند، سماعى كرد ، لونجا النيل والأندلس.
المنافسة مطلوبة، وكم من دول حاولت أن تسرق بريق مصر، لكنها فشلت، والسر ليس فى محاولة سرقة البريق أو الدور المحورى الكبير لمصر .. ولكن فى الأمة المصرية القادرة على التجديد.. وقوتها الناعمة القادرة على المقاومة والتغيير .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة