الدعاية والضجة الكبيرة التي أحدثها اسم "ميتافيرس"، كأول تطبيق حقيقي للعالم الافتراضي الجديد، تضعنا أمام تساؤلات متعددة حول مستقبله ومدى تأثيره على المجتمع، ومستوى الرفاهية في التواصل بين الناس، بتقنيات عالية الجودة والوضوح، تحاكى الواقع تماماً، فقد تتمكن من تناول الغداء "الافتراضي" في أحد مطاعم باريس الشهيرة بشارع الشانزليزيه، ثم تخرج إلى جولة في متحف اللوفر، وأنت في شقتك السكنية بشارع الإخلاص، مدينة الزقازيق، محافظة الشرقية.
أتصور أن ميتافيرس لن يحمل خيراً، خاصة لمجتمعاتنا النامية، التي تتحسس طريقها نحو المستقبل، وتستهدف تحقيق معدلات نمو أعلى لتغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي لسكانها، وهذا لن يحدث إلا بطريق العمل والإنتاج، والتربية الصحيحة والعلم قبلهما، إلا أن ميتافيرس سيتحول إلى "مصيدة" للشباب وصغار السن لجذبهم للألعاب الجديد وبرامج الواقع الافتراضي التي تخطف عقولهم وتستنفد أوقاتهم، بل الأمر أعمق من ذلك لنشر عادات اجتماعية جديدة، غالباً لن يقبلها المجتمع، سوف تساهم بصورة أو بأخرى في انتشار وتمدد حجم جرائم الاغتصاب والتحرش والعنف البدنى واللفظي.
ميتافيرس سوف يتحول إلى مسرح جريمة كبير، يمكن من خلاله تقليد ومحاكاة الجرائم، ويتيح فرصة لأصحاب هذه الجرائم لتجربتها بصورة عملية لمرتين أو ثلاثة، ربما عشرات المرات، لحين الوصول إلى درجة الإتقان، كما يحدث في الألعاب الخاصة بالسرقة أو القتال بالأسلحة، أو السطو واستخدام العنف، وهذا يضعنا أمام أشكال جديدة من الجرائم، يتم تنفيذها وفق خطط عالية الجودة، وأداء محترف!
مشكلة إضافية في واقع ميتافيرس الجديد، تتمثل في الاتجاه نحو تشجيع الشباب، ربما الأطفال نحو سلوكيات الهروب من الواقع، فسوف يجدون ما يلهيهم داخل هذه التطبيقات الافتراضية الجذابة، التي تسيطر عليها الأشكال الجمالية، والصور الخيالية، والمشاهد التي يخل منها كل عشوائي أو غير منظم، بما يضعنا أمام مشكلة كبيرة تتمثل في "رفض الواقع"، مهما كان حجم الإنجاز والعمل الذى يتم فيه، فالمقارنة دائما ستكون حاضرة، وبالطبع سترجح كفة الواقع الافتراضي، الذى تم تصميمه ليصبح بدون أخطاء، فنجد أنفسنا أمام جيل يرفض كل معطيات الواقع ويعيش حالة افتراضية من نوع خاص، لن يتحرك معها للعمل في مصنع صغير، أو شركة ناشئة، أو مستشفى داخل قرية ريفية أو مدرسة في حي شعبي، ليصبح الرفض هو السلوك السائد لدى فئة الشباب وهم دائماً الأكثر قدرة على تغيير المجتمع ودفعه إلى الأمام أو جره للخلف.
أتخوف أن يخلق ميتافيرس في مجتمعاتنا الشرقية حالة من العجز والكسل، تزيد معها نزعة الاتكالية والخضوع بطريقة تؤثر على معدلات إنتاجنا، وتغير من ثقافتنا نحو العمل، وأتصور أن هذه المعطيات مقصودة حتى نظل رهينة للدول المتقدمة، التي يعش اقتصادها على استهلاكنا، خاصة أنهم يعرفون جيداً كيفية الفصل بين أوقات اللهو وأوقات العمل، لذلك علينا أن نحتاط جيداً للخطر القادم، الذي سيجعل الغرباء يعيشون في منازلنا، ويدخلون ويخرجون دون استئذان أو مواعيد مسبقة!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة