قبل 6 سنوات فقط كانت العاصمة الإدارية الجديدة مجرد فكرة، ظلت تراوح مكانها على مدى عقود، مع توقعات بأن تصل القاهرة إلى حالة من الجمود والشلل المرورى والخدمات، وكان الخبراء يطالبون بضرورة إخلاء القاهرة من الوزارات والمقار الحكومية، وفى 13 مارس 2015 أعلن الرئيس عن البدء فى إنشاء العاصمة الإدارية، ويومها بدا الأمر أقرب للخيال، كان الاقتصاد يعانى والاحتياطى النقدى متآكلا، بل إن عددا ممن كانوا يطالبون بالعاصمة يسألون من أين وكيف؟، وراهن كثيرون على أن الأمر مجرد إعلان، اليوم بعد 79 شهرا فقط، 6 سنوات و7 أشهر، أصبحت العاصمة اليوم تعبيرا عن قوة الحلم وإرادة الفعل، بل إنها أجابت عن أسئلة طرحها البعض قلقا أو خوفا.
المفارقة أنه تم إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادى والبدء فى بناء العاصمة الإدارية، فى وقت كانت الدولة تواجه الإرهاب، وتواصل البناء فى كل الاتجاهات، ومع الوقت بدأ العمل بسرعة، مع الرهان على القدرة الذاتية المصرية وهو رهان نجح وأصبحت العاصمة الإدارية واقعا، ووجه الرئيس عبدالفتاح السيسى، الحكومة بالبدء فى الانتقال الفعلى للحى الحكومى بالعاصمة الإدارية الجديدة اعتبارا من شهر ديسمبر المقبل، لفترة انتقالية تجريبية لمدة 6 أشهر، بعد انتهاء المرحلة التجهيزية الحالية لمقار ومنشآت الحى الحكومى.
هناك استعدادات للمؤسسات التشريعية والقضائية والثقافية، واللافت أن استعراض موقف المشروعات داخل العاصمة الإدارية الجديدة، تزامن مع سير العمل بمدينة العلمين الجديدة، وما تضمه من مشروعات، مثل الأبراج والمدينة التراثية والحى اللاتينى والمنطقة الترفيهية والطرق وجامعة العلمين الدولية للعلوم والتكنولوجيا، وعرض الموقف التنفيذى للمرافق والمنشآت والخدمات بمدينة المنصورة الجديدة، بما فيها الجامعة ومدارس التعليم الأساسى والأحياء السكنية والكورنيش.
وفى نفس الوقت يتابع الرئيس السيسى، عملية تطوير منطقة القاهرة التاريخية، والتى تهدف لاستعادة الوجه الحضارى للقاهرة، وجعلها منطقة جذب سياحى وترفيهى وثقافى، بما فيها عملية التطوير الجارية فى حديقة عين الصيرة ومثلث ماسبيرو، و«ممشى أهل مصر»، والذى يُعد أحد المشروعات الترفيهية المهمة، والتى ستزيد من نسبة المسطحات الخضراء على ضفتى كورنيش النيل.
كل هذا يعنى أن ما بدا نوعا من الخيال أصبح واقعا، خاصة أن هناك تجهيزا للعاملين فى العاصمة الإدارية، وفى نفس الوقت السير فى مبادرة حياة كريمة لإعادة صياغة الريف ضمن عملية التنمية وتطوير منظومة المصارف فى الدلتا ومعالجة مياه الصرف الزراعى، بهدف الاستفادة من المياه التى تفقد فى البحيرات والبحر المتوسط، وذلك فى إطار استراتيجية الدولة لتعظيم الاستفادة من موارد المياه وزيادة رقعة الأراضى الزراعية،
وهى إجابة لأسئلة ظلت مطروحة حول الأولويات، فيما يتعلق بالتنمية. العاصمة الإدارية تعبير عن إرادة، وتحقيق لحلم بدا مستحيلا، يشمل البشر مع المبانى، ويشير إلى تخطيط واضح، فى كل الملفات التى بقيت مفتوحة لعقود، الدولة تتحرك فى كل الاتجاهات والملفات، العاصمة الإدارية والعلمين ومبادرة «حياة كريمة»، توازيا مع أنفاق سيناء وتنميتها زراعيا وصناعيا، ونقل التنمية تمهيدا لتوسع اجتماعى يسكن التوسع العمرانى، ونفس الشىء فى القطاع الشمالى الغربى «العلمين»، وأراضى الدلتا الجديدة وسيناء، وشبكة الطرق والقطارات والمونوريل والقطار الكهربائى والسريع، وربط موانئ البحرين الأحمر والمتوسط، إلى جانب دخول الدولة للريف وضمه إلى خطط التنمية بشكل لا يجعله مجرد مخزن للأصوات الانتخابية، مثلما كان فى السابق وعلى مدى عقود، كل هذه المشروعات دليل على تغيير فكر الدولة نحو التنمية المستدامة.
العاصمة الإدارية الجديدة رمز الجمهورية الجديدة وتتزامن مع خطوات فيما يتعلق بالحقوق والحريات وإدارة التنوع فى مجتمع الـ100 مليون، والاتجاه إلى تحسين جودة الحياة والخدمات الحكومية، دون أن تكون منفصلة، فإخلاء المبانى الحكومية يخفف الضغط على القاهرة التى لم تعد تحتمل، وفى نفس الوقت تشهد عملية تحديث شامل، يعيد للمبانى والشوارع صورتها ورونقها، العاصمة الجديدة جزء من القاهرة، ترتبط بشبكة مواصلات حديثة، وهى ليست مبانى وقواعد معلومات فقط، لكنها أيضا ستكون عقل الإدارة وقلبها، وتعبير عن إرادة المصريين فى سنوات قليلة، وهو إنجاز أبطاله هم المصريون وحدهم، والذين يحق لهم أن يجنوا الثمار فى جودة الخدمات والمشاركة فى عوائد التنمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة