أول طريق الحل هو إدراك المشكلة، وفيما يتعلق بالتعليم، نظن أننا ندرك أبعاد المشكلة، ولدينا إرادة للحل، وفى حديثه بالجلسة الافتتاحية للمنتدى العالمى للتعليم العالى، جدد الرئيس عبدالفتاح السيسى، تأكيده لإدراك أهمية تطوير التعليم باعتباره نقطة الانطلاق إلى التقدم والتحديث، خاصة مع إدراك لما تعرض له التعليم على مدى عقود من إهمال أدى إلى أن يصبح حال التعليم عندنا خارج العصر.
أما النقطة الأخطر والتى أثارها المشاركون فى الجلسة الافتتاحية للمنتدى فهى ربط التعليم بسوق العمل، وأن التطورات التكنولوجية المتسارعة تطيح بالكثير من الوظائف التقليدية وتخلق فرصا أخرى، وأن التعليم وحده قد لايكون كافيا، وأنه يتطلب مهارات وتدريبات حتى يمكن أن يكون الفرد مؤهلا للعمل.
وهنا تأتى النقطة الفاصلة، وتتعلق بنوعية ما يقدم من مناهج أو مواد تتناسب مع حجم التطور التكنولوجى، لأن الجامعات تقدم مناهج بالكاد تمنح الخريج شهادة تخرج، لا تساوى أكثر من الحبر الذى طبعت به، وبالتالى تضخ الجامعات مئات الآلاف من الخريجين سنويا، لا يمكن أن تتوفر وظائف لأغلبهم، وبينما يتجه بعض الخريجين إلى تغيير مساراتهم أو الحصول على كورسات ومهارات تمكنهم من إيجاد فرصة عمل، والبعض الآخر يبقى فى انتظار وظيفة لا تأتى، فيضطر لقبول أى عمل يعرض عليه.
وهناك الكثير من الشباب تلقوا تدريبات وكورسات للعمل فى مجالات تقنية أو تسويق إلكترونى وغيره، وقليلون اتجهوا للعمل الخاص، وهو أمر وارد فيه النجاح أو التعثر، لكنهم يغيرون اتجاهات عملهم بعيدا عن دراستهم، وهنا تأتى أهمية الوعى بما يجرى فى المجتمع من تطورات، أسرع من سرعة المجتمعات.
وهنا نعود إلى نقطة البداية، التعليم والمناهج وما يفترض أن يحصل عليه الطالب من معارف تتجاوز النجاح فى الامتحانات أو الحصول على شهادة، بحيث تكون قادرة على تشكيل وعى بما يجرى، ووجود توقع بأن يكون العمل مختلفا عن الدراسة، وهنا تأتى نقطة أثيرت من قبل، ولا تزال حول التوسع فى التعليم الفنى أو مد صلاحية شهادة الثانوية بما يسمح للطالب أن يعمل أثناء الدراسة، مثلما يجرى فى دول مختلفة ومتقدمة.
وفيما يتعلق بالتعليم الفنى فقد تعرض لإهمال وتجاهل على مدى عقود، وتراجع مستوى المدارس الفنية، رغم أنها تطورت فى كل دول العالم الحديث توازيا مع التطور التقنى والعلمى، الأمر الذى خلق وظائف متنوعة، بينما كانت هذه المهن والوظائف تتراجع عندنا، وهو ما أدى إلى ما يسمى الفجوة فى سوق العمل، أن تكون هناك وظائف مطلوبة ليس هناك من يشغلها، وفى المقابل هناك طالبو عمل ليس لهم وظائف.
وهناك أنواع من الوظائف انقرضت أو تقلص المعروض منها بسبب التكنولوجيا، وما كان يتطلب خمسين موظفا لإنجازه يمكن أن يقوم به فرد من المنزل، وأغلب الوظائف المكتبية لم تعد مطلوبة بالشكل الذى كانت عليه قبل ربع قرن، وقد أشارت وزيرة التخطيط هالة السعيد إلى ما ذكرته منظمة التعاون الاقتصادى حول مستقبل الوظائف وأن 14% من الوظائف معرضة للخطر و32% من الوظائف تحتاج إلى تغيير مهارات لتواكب سوق العمل الجديد.
وهنا تأتى أهمية تطوير التعليم جذريا وتجاوز المناقشات العبثية حول ما يجب تدريسه من مناهج أو الامتحانات.
وقد أتاحت التكنولوجيا إمكانية استكمال التعليم عن بعد ومن خلال تطبيقات الموبايل، وهو أمر فرضته إجراءات كورونا والاضطرار للعمل من المنزل، وقد شرح الرئيس التنفيذى لمنصة كورسيرا للتعليم العالى عن بعد كيف تضاعفت أعداد الدارسين فى المنصة عشرات المرات أثناء الجائحة، وهى منصة مجانية يمكن التفكير فى إنشاء مثلها أى إتاحة التعامل معها بمحتوى عربى أو حتى الاستفادة من هذه التطبيقات والمنصات التى توظف التكنولوجيا فى حل مشكلات التعليم، بل وأيضًا توسيع مجالات التدريب على المهارات لمن يريد تطوير قدراته أو تعديل مساره.
وكل هذه الطرق تبدأ وتنتهى بإتاحة التعليم وتجاوز الجدل القائم إلى التحاق حقيقى بالعصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة