"وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا"، هكذا بلغنا الله عن إطعام الطعام، وقد ذكر المفسرون والعلماء، أن هاتين الآيتين تحدثا عن صفات الأبرار، الذين يتميزون بشدة الجود والكرم والعناية بتقديم الطعام لذوي الحاجة، وقد سعدت كثيراً عندما قرأت خبراً لوزارة الأوقاف، تعلن خلاله عن مشروع جديد لدعم الفقراء والمحتاجين "صكوك الإطعام" للتبرع من أموال الصدقات والكفارات والنذور.
صكوك الإطعام مشروع كبير تشرف عليه وزارة الأوقاف المصرية، لتوفير اللحوم للفقراء والمساكين والمحتاجين، بصفة دورية، قيمة الصك 300 جنيه فقط، وهو مبلغ صغير ومتواضع ويمكن لأي شخص أن ينفقه، من خلال حسابات بنكية معلنة، تشرف عليها الجهات المعنية، ويتم توظيفها لخدمة الفقراء والأسر الأولى بالرعاية، فالمشروع له دور إنساني كبير، يعظم من قيمة العمل الأهلي، ويدعم دور الدولة في تخفيف العبء عن الطبقات الفقيرة، ويخدم شريحة غير قادرة على الكسب، لذلك بات مشروعاً إنسانيا بامتياز.
مشروع صكوك الإطعام يعتبر بديل مناسب جداً للتبرعات التي كانت تتلقاها المساجد خلال الفترة الماضية، وكانت تذهب دون جدوى، بل تضيع بين الجمع والحصر وسوء التوظيف، لذلك فالصكوك مشروع إنساني اجتماعى بامتياز، يدعم خطوات الدولة نحو حماية الأسر الفقيرة، ويقدم نموذجاً حقيقياً للتكافل الاجتماعي، ويضمن أن تصل الصدقات لأصحابها ومن يستحقون، دون مجاملة أو شبهة فساد.
الحوكمة والإدارة الرشيدة أحد أهم سمات الجمهورية الجديدة، وعلامة مميزة، يدعمها فكر الشمول المالى، الذى يقوم على الشفافية والمحاسبة والرقابة، دون ترك الأمور للصدفة أو لاجتهادات الأفراد، بل والأهواء أحياناً، لذلك أتصور أن مشروع صكوك الإطعام الجديد يحقق أهداف الدولة نحو الشمول المالى، وتجفيف منابع الفساد، ويخلق مسارات آمنة للتبرعات والصدقات، بصورة تتفق مع سياسة الدولة الجديدة، في أنظمة الرقابة والمتابعة، وعلى كل من يستهدف التبرع للصدقات والكفارات والنذور، أو أي وجه من وجوه البر أن يدعم هذه الفكرة الناضجة، ويسهم بأمواله في نجاحها.
أتصور أن مشروع صكوك الإطعام الجديد امتداد لفكرة النزاهة والأيادي البيضاء، التي تدعمها وزارة الأوقاف، بداية من حصر أموال الوقف، وإعادة تنظيمها بصورة تكفل حسن الاستفادة منها وإدارتها بأسلوب يتفق مع تطورات العصر، مروراً بتجفيف منابع الفساد ودرء الشبهات والسيطرة المالية على التبرعات، التي كانت تُنفق يمينا ويساراً ولم تكن تخضع لرقابة أو مساءلة، وأخيراً الإصلاح الإداري واختيار الكفاءات، القائم على المعايير العلمية دون مجاملة أو هوى، فصارت النزاهة ثقافة، والأيادي البيضاء شعاراً لهذه المرحلة، لذلك الشكر واجب للدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، الذى يتخذ قرارات جريئة، ويقدم أفكاراً واعدة تليق بالعصر، وتضيف لجهود الدولة، وتتفق مع الصالح العام ومقاصد الشرع.