كانت المجموعات الفدائية السرية فى بورسعيد التى قاومت العدوان الثلاثى عام 1956 محط اهتمام الصحافة، مما أغضب المواطن «محمد عباس» ويعمل مدرسا، وكان عضوا فى مجموعة فدائية أخرى بالإسماعيلية هى «مجموعة القنطرة»، فكتب رسالة عتاب إلى الكاتب الصحفى «أحمد الصاوى محمد»، ينتقد تجاهل الصحافة لبطولات هذه المجموعة، وذلك بعد أن نشر «الصاوى» مقالا، يوم 13 ديسمبر 1964 عن«معركة الدبابات» التى خاضها ضباط الصاعقة ضد الغزو البريطانى.
نشر «الصاوى» رسالة العتاب فى مقاله بجريدة الأخبار بباب «يوميات الأخبار» 20 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1946»، وكان قبل ثلاثة أيام من الاحتفالات بعيد النصر على العدوان الثلاثى «23 ديسمبر 1956»، كما نشر رسالة أخرى عن بطولات «المجموعة النسائية» ببورسعيد خلال هذه الحرب.
تضمنت الرسالتان حكايات بطولية، غير أن العتاب اقتصر على رسالة «مجموعة القنطرة»، ويكشف صاحبها قصتها، قائلا إن هذه المجموعة كانت ترابط ببلدة «القنطرة غرب» بقيادة النقيب محمد الصلاحى، والنقيب سالم عثمان.. يؤكد: «كنت أحد الأشخاص الذين لهم شرف الدفاع عن بلادى، ورأيت البطولات التى قام بها قائد المجموعة «الصلاحى» بعد أن تسربت قوات العدو إلى جنوب بورسعيد متجهة إلى الإسماعيلية لاحتلالها، وواجهت هذه المجموعة القوات، وأذاقتها وابلا من النيران والقنابل، وأعطتها درسا فى فنون حرب العصابات و«الخدمة السرية» كما كانوا يطلقون علينا».
يضيف: «اشتركت مع قائد المجموعة فى العديد من العمليات، وتقابلت فى مكتبه مع كمال رفعت، وعبدالفتاح أبوالفضل، ومحمد فائق، وسعد عفرة، ومحمود عبدالناصر، ويحيى القاضى، وغيرهم من أبطالنا».. يكشف بعض بطولات «مجموعة القنطرة» قائلا: «لن أنسى يوم أن غادر قائد المجموعة محمد الصلاحى، ونحن معه فى جولة وسط البحيرة ببلدة الكاب، وأسرنا جنديين بريطانيين ردا على أسر النقيب فاروق شمس الذى اعتقلته القوات الإنجليزية، ولن أنسى يوم أن انضمت قوات الشرطة بقيادة مأمور قسم القنطرة المقدم عمر هيبة، ومعه ضباطه البواسل، النقيب رياض هاشم، والنقيب عاشور الحداد، والنقيب فتحى خليل، وغيرهم.. لا أنسى التحامنا الليلى المتعدد مع قوات العدو ببلدة «الكاب»، والقوات الفرنسية بالقنطرة شرق».
يؤكد أن الفدائى البطل الشهيد الطالب جواد حسنى كان أحد أفراد هذه المجموعة، ويتذكر: «هرب منا للذهاب إلى بورسعيد، ولا أنسى منظر قائد المجموعة حين اندفع وراءه ليتعقبه خوفا عليه، ولن أنسى يوم أن عاد قائدنا إلينا مصابا بنزف أثر اشتباكه مع دورية استكشافية فرنسية».. يضيف: «صور العدوان الوحشى على بورسعيد التى كانت مع المعتدين وحملها وزير خارجيتنا «الدكتور محمود فوزى» ليرسلها للعالم أجمع، حصلت عليها مجموعة القنطرة بعد مصرع قائدها ضابط المخابرات البريطانى الذى كان يحمل الأفلام معه والكاميرا».
يختتم صاحب الرسالة عتابه قائلا: «يحز فى نفسى كثيرا أن أرى صحافتنا كلها منذ عام 1956 حتى الآن تكتب عن بورسعيد وكمال الصياد «أحد قيادات المقاومة الفدائية السرية» ولا تشر إلى مجموعة القنطرة التى لا تقل بطولة عن بورسعيد، ويكفينا فخرا أنها أوقفت العدو فى بلدة «الكاب»، وكان هدفه احتلال الإسماعيلية.. أتألم حين أجد أبطال هذه المجموعة أصبحوا فى طى النسيان، وأبطالها الحقيقيون هم النقيب محمد عبدالحميد الصلاحى، الملازم أول سلامة عثمان، المقدم عمر وهبى هيبة مأمور شرطة القنطرة، والحاج محمود المعداوى، ومحمد عباس، وغيرهم.
وعن المجموعة النسائية، نشر «الصاوى» رسالة من مصطفى الصياد «المحامى» ببورسعيد، يذكر فيها أن هذ المجموعة كانت بقيادة الآنسة زينب الكفراوى، ومعها زينب أبوزيد، وزينب عبدالغفار، وليلى النجار، وسلوى الحسينى، واعتماد عبدالمحسن، وغيرهن، وكانت هذه المجموعة تحمل السلاح بواسطة عربات أطفال من رئاسة مجموعات المقاومة إلى أماكن مستهدفة بعمليات فدائية، ومثال ذلك عملية نقل أربعة مدافع «كارل جوستاف»، وعشر بنادق ميلز 26، وجميعها تأخذ حيزا صغيرا، وكان المخزن العمومى للسلاح والذخيرة فى منزل عبدالمنعم مختار الذى استشهد بعد ذلك.
وضعت زينب الكفراوى هذه الأسلحة فى عربة أطفال صغيرة، ووضعت القنابل والمدافع فى قاعها وغطتها بمريلة أطفال، ووضعت فوقها ابن اختها الصغير، وانطلقت فى شوارع المدينة وخلفها سيارة البوليس، وفيها النقيب كمال الصياد ومعه مسدسه، وفجأة تقدم ضابط بريطانى يقود دورية مشاة، وأوقف زينب وسألها عن اسم الطفل الصغير، فردت: اسمه جمال..ابتسم ببرود قائلا: هل هو قريب جمال عبدالناصر؟ فردت بقوة وحماس: كلنا جمال عبدالناصر.
تجمهر الناس، فنزل كمال الصياد يسأل الضابط عن سبب إيقافه لزينب، فرد الضابط بالإنجليزية وهو يرتجف، قائلا: هذا الطفل يشبه ابنى تركته فى إنجلترا.. ثم أعطى الطفل قطعة شيكولاتة، لكن زينب رفضتها ورمتها على الأرض، وواصلت الدورية سيرها، واستمرت هى بعربتها، ونجحت فى توصيل السلاح للمكان المقصود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة