أحمد التايب

لغة الضاد .. آثار الإهمال والعلاج

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2021 12:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنا قد أشرنا في مقال سابق عن أهمية اللغة العربية ودورها وما يميزها عن اللغات الأخرى، وذلك بمناسبة احتفال العالم بيومها العالمى في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، إلا أنه للأسف ما زالت ظاهرة إهمال اللغة العربية مستمرة؛ فكلنا نرى وسائل فرض اللغة الإنجليزية بوصفها اللغة العالمية ولغة التعليم في ظل عالم الحداثة، ونلاحظ جميعا تعمد وسائل الإعلام باستخدام خطاب عامى يفتقر إلى علاقة صحيحة مع اللغة العربية الأمِّ؛ وكذلك الحال في الدراما واستخدام مصطلحات شبابية منها ما يسمى لغة المهرجانات، لينتشر اللحن على ألسنة العامة والخاصة.
 
لدرجة وصل أن من يرتكب هذا اللحن والعبث، ليس التلاميذ وحدهم، إنما هناك فئات تصف بالنخبة لم تستطع قول جملة واحدة سليمة لغويا، بل وصل الأمر إلى مهاجمة الفصحى رغم قُدرتها على أداء مطالب النفس الإنسانيَّة، واستخدام العامية، وهى المُفتقرة دائما في مفرداتها، ومضطربة في قواعدها وأساليبها، بل أن مظاهر إهمال اللغة العربية، أصبح في الشوارع والميادين، بعد أن رأينا طابعا استفزازيا في كتابة عناوين المحلات التجارية باللهجة العاميَّة أو باللغة الإنجليزية.
 
وأعتقد أن أهم الأسباب التى فاقمت الوضع، الاعتماد على التعليم الكمى لا الكيفى، الذى يعتمد على الحفظ والتلقين فكانت النتيجة تخرج الآلاف من الجامعات أنصاف متعلمين لا يتقنون القراءة السليمة ولا استخدام اللغة الصحيحة، وكذلك الاهتمام بالعلوم الأخرى على حساب لغتنا الجميلة، حيث تخلَّينا عن الأسلوب القديم  في الدراسة والتكوين، ولجأنا إلى أساليب دائما ما تعتمد على الاختصار نلخِّصها في مذكرات مَبتورة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، غير أن المحزن أن هناك حالة من الاستهانة باللغة العربية واعتبار العلمِ بها عيبًا، أو على الأقل أنها ليس من الضروريات وإنما المستقبل والتحضر في تعلم اللغات الأجنبية.
 
لذا، يجب أن ننتبه إلى أن إهمالنا للغتنا العربية، قطعا يؤدى إلى عزْلنا عن فَهْم الكتاب والسُّنة، بل والتراث؛ لأن اللغة هي الوسيلة للاطلاع على ذلك واستيعابه، غير أن الإهمال أيضا يقودنا نحو الميل إلى الثقافات الأخرى التي من الممكن أن تهدم الثوابت الوطنية والأخلاقية والدينية الخاصة بنا، خلاف أن ترك اللغة وإهمالها بين أبنائها يساعد في نشر البدع والخرافات في المجتمع لغياب الوعى، لأن الجاهل بلغته صعب عليه فهم فقه وأمور دينه، بل أن الكارثة أنه من هو ضعيف في لغته، يكون ضحية تجار الدين الذين يلعبون بألفاظ اللغة لإصدار فتاوى شاذة تخدم أهدافهم المسمومة في نشر التطرف والإرهاب.
 
وأخيرا، بعد أن رصدنا آثار إهمال اللغة العربية، فإن العلاج يتطلب عدة أمور، أهمها نشْر الوعي بأهميَّة اللغة، لأن إهمالها قطعا يؤدى إلى طمس الهوية، وكذلك ضرورة العناية بالمناهج وحُسن اختيار ما يقدَّم للناشئين، والحرص على تخرج مدرس ناجح محب للغة ومتمكن من أدواتها وقادر على تدريسها، مع حتمية تعزيز الخطاب الإعلامى بما يتماشى مع حب اللغة والتحدث بها بطلاقة وبطريقة سليمة بعيدا عن خطاب العامية والردح، وكذلك من المهم خروج قانون حماية اللغة العربية للنور، مع تعظيم دور المجمع اللغوى وتفعيل كافة توصياته والحرص على إدخال الكلمات الجديدة في قاموس عربى عصرى، وفى النهاية ستظل اللغة العربية هي اللغة الباقية لحظها لكتاب الله العزيز، ولأنها كما وصفها شاعر النيل حافظ إبراهيم "أَنَا الْبَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ"..









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة