كانت على موعد مع الألم مع القهر مع الفجيعة، عاهدت الله والمجتمع أن يكون ابنها مواطنا يشار إليه بالبنان، كان زواجها "أصلا" من أجل إنجاب طفل يكون شبيها لشخصيتها، فقد كانت لا ترغب بالزواج بعد رفض أبيها زميلها خلال فترة الجامعة لأسباب عائلية.
تزوجت "أمل" بعد التخرج من الجامعة ببضعة أشهر وأنجبت طفلها الأول، الذى أرضعته حب العلم والتفوق منذ الوهلة الأولى، فهى مدرسة بإحدى المدارس الخاصة، فكان ضمن الطلاب المتميزين طيلة فترة دراسته، كانت تعده لأن يكون عالما، فحببت إليه مواد العلوم، وأعدت له معملا صغيرا فى البيت، وكانت تحضر له بعض المنتجات المستخدمة فى المعامل لعمل بعض التجارب العلمية، فيعرف كيف يتم استخراج الأكسجين مثلا من الماء، وكيف يحترق الغذاء داخل الجسم، وكيف تكون عملية البناء الضوئى في النبات.. ولكن لم تأت الرياح بما اشتهى قلب أمل.
آكلو لحوم البشر من التجار، لا يعبؤون بحياة "بنى آدم" كل ما يهمهم هو تضخيم ثروتهم، فيبيعون أردأ المنتجات بأعلى الأسعار، على أنها مواد آمنة لا تُمِيت بل لا تؤذى ولا تضر، اشترت "الأم المحبة للعلم" هذه المواد الآمنة كذبا، وذات يوم استخدم ابنها الطالب في الصف الثالث الإعدادى، تلك المواد فخرج منها غاز سام تخلل إلى رئتيه، فلم تستطع الأم البائسة أن تنقذ فلذة كبدها، حيث ظل بالرعاية بضعة أيام، ثم ذهب على جنان ربه، حيث لا غش من أجل قرش.
انتهت القصة القصيرة المؤلمة، لكن لم تنته فجيعة الأم، فحتى الآن تبكى ابنها، وحتى الآن تنتظر لقائه كل يوم، كما أنه حتى الآن تباع المواد غير الآمنة، وحتى الآن يتاجر البشر بالبشر، وحتى الآن يغش الجميع الجميع.
ما أنادى به من خلال تلك القصة القصيرة أمور ثلاث..
أولا.. اعتنوا بأولادكم أيما اعتناء، فلا تتركوهم لأهوائهم فيفعلون ما يريدون وقت ما يشاؤون، فليفعلوا، ولكن كونوا بجانبهم.. ساعدوهم.. راقبوهم، نعم قد لا يمنع الحذر القدر، لكن وأنت بجوار ابنك وقت تجريب ما في خيالاته، ووقع مكروه لا قدر الله، ربما استطعت إنقاذه، ربما نهيته عن إجراء هذه التجربة، فسلم ولم يحدث له مكروه.
ثانيا.. أطالب المسؤولين بتنفيذ حملات على جميع المحلات، ليست تلك التي تبيع مواد خاصة بالتجارب المعملية فقط، ولكن حملات على كل ما يباع ويشترى، فتعدم الفاسد وتعاقب المفسد أشد عقاب، كما أطالب بسن قوانين تغلظ العقوبة على من يغش في المنتجات، أي منتجات قد تتسبب في إزهاق روح أي مصري، لاسيما الأطفال، لدرجة تصل إلى الإعدام شنقا.
ثالثا: أطالب التجار بأن يتقوا الله في أرزاقهم وما يبيعون للمصريين من منتجات، قد تجعلنا نفقد فلذات الأكباد، فكلنا يتحمل مصائب وعناء العمل والمواصلات والتنمر من البعض من أجل أبنائنا، فساعدونا يرحمكم الله.