"كل إنسان يصبح شاعرًا إذا لامس قلبه الحب" هكذا قال الفيلسوف اليوناني القديم "أفلاطون" أو هكذا نسب إليه الكلام، قبل نحو ألفين وخمسمائة عام، في حديث عن الحب، ذلك السر الكامن في القلوب عبر الزمن الذى يأخذنا من عالمنا إلى عالم الجمال، ذلك الوحى الإلهي الذى خص به الله العاشقين، وهدى إليه عباده، فكان نورا على نور يهدى به الله من يشاء.
خلق الله الحب، ولكننا لم نعرف سره، الشعراء تباروا فى تعريفه والعلماء اختلفوا في وصفه وتحليله، وقف الجميع حائرا أمام ذلك المجهول الكامن في الروح، والنور الذي ينير القلب، والجمال الذي يمس الوجدان، أمام هذا الشعور صاحب السطوة والكلمة الأعلى.
ما الحب؟ متى نحب؟ كيف نحب؟ كلها أسئلة اختلف البشر في إجاباتها، فقط يعرفون خفقان القلب، وقشعريرة الجسد، والحالة الشعورية التي تسرقنا وتجذب أنظارنا إلى الحبيب وتولى قلوبنا نحوه، والافتتان بوجود شخص يملك روحك، تلك الأحاسيس التي تمتلكنا حين نحب، هذا الأمان الروحي الذي يجتاح النفس، وكأن الروح كانت تائهة حتى ظهرت تلك النقطة الناصعة البياض في القلب، فاستقرت، وأضاءت للجسد ظلمته وأزالت عن العقل غموضه، وظهرت تلك المشاعر التي لا توصف لنصل إلى ذلك السحر الرباني.
"ويجعل لكم نورا تمشون به" (الحديد:28)
قبل أن نحب، العالم كله يشبه بعضه البعض، الأيام تمر دون حساب، القلب يظل حائر غائر دون ونيس، الروح مظلمه دون وليف، إلى أن يمد لنا الله نوره فنسير فيه.
خلق الله الحب، وجعل الحبيب نورا نهتدى به، وعندما نقابله كأن القلب وصل إلى الإيمان وكأن الروح وصلت إلى الكمال، في الحب يهدينا الله الطريق ويصنعه إلينا وفيه نجد "نوره" الذي وضعه كي يضئ قلوبنا ويسحر أبصارنا.
"عيناك فيهما يصلِ ألف رب وجبهة ماسية تفنى فيها سماحة المحب" أمل دنقل
أول ما نراه في الحبيب عينيه، ومن الوهلة الأولى تظل النظرة إليه أسمى لحظات الحياة، تلك الأوقات في حضرة الحبيب والنظر فى عينيه هي أقدس أوقات الحياة.
نشعر في نظرة أعين من نحب بذلك "النور" الإلهي الذي يمس القلوب، كأنما تجمعت فيه كل الأماكن المقدسة، فنشعر بالنظر في أعين الحبيب وكأننا نرى وجه والله.
"حبك يا عميقة العينين: تطرف. تصوف. عبادة. حبك مثل الموت والولادة. صعب بأن يعاد مرتين" نزار قباني
مشاعرنا هي صلوات روحانية، دقات القلب كالتراتيل الدينية ترتلها القلوب فى انتظام شديد كلما جاءت سيرة الحبيب، النبضات المتسارعة تكاد تخرج قلوبنا معها تسابيح وأذكار تناجى الحبيب، وتبقى نظراتنا وأفعالنا اللاإرادية كأنها طقوس تعبدية خالصة.
تناقضات إنسانية تنتابنا في أوقات الحب، تجمع بين التهور والتطرف الشديد في مشاعرنا، الغيرة، ذلك الجنون الحدسي المربك، في مقابل الهدوء والسكينة التي تنتابنا في وجود الحبيب، هذه القداسة والإجلال لذات الحبيب.
"وإن كان أمل العشاق القرب أنا أملى في حبك هو الحب" أحمد فؤاد نجم
في الحب نحن لا ننتظر شيئا، لا نبتغى مقابلا، كل ما هنالك هو الحب نفسه، كل ما نأمله هي تلك المشاعر والأحاسيس، هو البقاء في تلك اللحظة التي نعيش فيها الحب.
إذا نالنا الود فالكل بعد ذلك هين، ولن يشغلنا شيئا غيره من أمور العالمين، وتبقى مشاعرنا نحوه هي مصدر اليقين، فالحب هو غذاء الروح.
"هل معقول أنى كنت أحبك حتى الذبح وحتى المحو وحتى حالات الإسراء" نزار قباني
القلب قد يخفق مرات، ربما هي حقيقة علمية مؤكدة، لكن الأكيد أن شخصا واحدا وفتاة واحدة فقط هي التي تأتى فتنير الطريق فتصبح هي "المضيئة"، هي النور في قلب مظلم وعقل حائر، إن غابت نموت وإن حضرت تكون الحياة، الحب معها هو حالة من حالات الإسراء، فلا نكتفي بوجودها طوال الوقت ولا نكتفي منها أبدا، لا يكفينا الحديث إليها، النظر في عينيها، التقرب لها، نتمنى أن تطول بينا الحياة، كي نضمن البقاء طوال الوقت إلى جانبها.
ويبقى الحب هو تلك الأوقات المقدسة التي تستحق أن تقام من أجلها الصلوات..