يتحدث الكثيرون عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى لمواجهة الأفكار الجامدة والجماعات أصحاب الفكر المتطرف، وهنا نتذكر أئمة التنوير الذين جاءوا بأفكار مختلفة عن المستقرة في الوجدان، بعضهم استطاع أن يواجه المستقر في الوجدان المصرى ويجدد نوعيا الخطاب المستقر داخل العقل الجمعى، واحد من هؤلاء هو الشيخ مصطفى عبد الرازق، الذى تمر اليوم ذكرى رحيله الـ74، إذ رحل في 15 فبراير 1947، فهو أحد أئمة التنوير، وصاحب الفكر الفلسفى المغاير للأفكار السائدة في عصره، وهو أستاذ عميد الرواية العربية والعربى الوحيد الحاصل على جائزة نوبل في الآداب، الأديب العالمى نجيب محفوظ، والحقيقة أن مصر قدمت للعالم الإسلامي باقة من علماء أجلاء ساروا على نهجه وحملوا من بعده شعلة التنوير فى عالم سريع التحول وكان من هؤلاء الشيخ محمد عبده، والشيخ مصطفى عبد الرازق، وغيره، ومن أهم هؤلاء:
الشيخ حسن العطار
هناك أيضا الشيخ حسن العطار الذى تتلمذ على يديه الكثيرون من بينهم "رفاعة الطهطاوي" رائد النهضة المصرية الحديثة، وكان "العطار" أدبياً وشاعراً ورحاله زار تركيا وفلسطين وجاب بلاد الشام وخالط ضباط الحملة الفرنسية وعلمائها وقام بتدريس اللغة العربية لهم، وتعلم حب المعرفة وضرورة التجديد، ويتذكر رفاعة الطهطاوي، دوماً ما كرره عليه أستاذه العطار "إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها".
وأصبح العطار شيخاً للأزهر وهو في الخامسة والستين من عمره، وذلك سنة 1830م (1246 هـ) وظل شيخاً للأزهر حتى وفاته يوم 22 مارس سنة 1835م (1250 هـ)، لم يوفق العطار في إصلاح الأزهر وبرامجه وخطط الدراسة فيه كما كان يريد ولعله في ذلك سار علي درب محمد علي الذي لم يشأ خشية إثارة سخط العلماء ولكنه رزق حظاً كبيراً من التوفيق في الدعوة إلى إصلاح التعليم بالبلاد كلها، فالمدارس العالية الفنية التي أنشئت بمصر في ذلك العهد كالهندسة والطب والصيدلة، هي الاستجابة الحقيقية لدعوة العطار وتطلعاته ومناداته بحتمية التغيير للأحوال في البلاد، كما كانت الكتب التي ترجمت بالمئات في عصر محمد علي، هي الصدى المحقق لأفكار العطار، حين رأى كتب الفرنسيين في الرياضة والعلوم والآداب وإذا كان الطهطاوي صاحب فضل كبير ويد طولي في حركة ترجمة الكتب في عصر محمد علي، فإنه بلا شك تأثر بآراء وطروحات شيخه العطار ويدين له بهذا الانفتاح على الآخر وإرسال البعثات العلمية.
الشيخ محمد عبده
يعد الإمام محمد عبده، واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذى أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعى الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية.
كان الإمام محمد عبده ينتمي في تيار حركة الإصلاح إلى المحافظين الذين يرون أن الإصلاح يكون من خلال نشر التعليم بين أفراد الشعب والتدرج في الحكم النيابي وكان سعد زغلول أيضاً من مؤيدي هذا التيار، وهو عكس التيار الذي يدعو للحرية الشخصية والسياسية مثل المنهج الذي تتبعه الدول الأوروبية، وكان من مؤيدي هذا التيار "أديب إسحاق" ومجموعة من المثقفين الذين تلقوا علومهم في الدول الأوروبية.
عبد المتعال الصعيدى
عبد المتعال عبد الوهاب أحمد عبد الهادي الصعيدي عالم لغوي من علماء الأزهر الشريف وعضو مجمع اللغة العربية وواحد من أصحاب الفكر التجديدي بالأزهر ومن المناديين بالمنهج الإصلاحي في التعليم والفكر والتجديد الديني.
عرف الشيخ الصعيدي بآرائه الثورية والتجديدية، فكان يرى نظام التعليم في الأزهر مصابا بالعقم والجدب، ورأى ضرورة تطويره بما يلائم روح العصر، لتخريج جيل من الأزهريين المجددين والمبدعين والبعيدين عن الجمود والتقليد والتعصب، والذين كان يراهم المذنب الحقيقي وراء ما يظهر من كتابات المجترئين من حين لآخر، وواكب هذا دعوته إلى تطوير فقه الحدود في الشريعة الإسلامية وذلك في مقالة نشرت في جريدة السياسة الإسبوعية عام 1937م.
في عام 1919م شرع في تقديم كتابه "نقد نظام التعليم الحديث للأزهر الشريف" ونُشر في عام 1924م، وقد ألّف الصعيدي 49 كتابًا مطبوعًا و 20 كتابًا مخطوطًا أهداهم للأزهر مثل"تاريخ الإصلاح في الأزهر"، "حكماء اليونان السبعة"، "قضايا المرأة"، "الفن القصصي في القرآن"، ومن أشهر كتبه "المجددون في الإسلام" وهو أحد أهم الكتب التي ألقت الضوء بالنقد والتحليل على أهم الشخصيات المجددة في الفكر الإسلامي منذ القرن الأول الهجري حتي نهاية القرن الثالث الهجري.
الشيخ مصطفى عبد الرازق
الشيخ مصطفى عبد الرازق، هو العالم الأديب المفكر، وأستاذ الفلسفة الرائد، وشيخ الأزهر المستنير، وحامل راية الإصلاح الأزهري، وأستاذ أجيال من كبار المفكرين والفلاسفة في كل الجامعات العربية..كان الأستاذ المصري الوحيد بين هيئة تدريس كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول وقت التحاقه بالكلية أستاذا مساعدا، بعد أن ظل تدريس الفلسفة في الجامعة المصرية حكرا على الأجانب، حتى عام 1927.
كما أن "عبدالرازق" هو الأب الروحي والراعي لمواهب فارقة في تاريخ الثقافة العربية، مثل أم كلثوم، التي كان أول من ساندها، أو نجيب محفوظ، الذي اختاره ليعمل سكرتيراً له بعد أن كان أستاذاً له في الجامعة، أو محمود مختار، صاحب تمثال نهضة مصر، الذي كان رفيقاً له وأول من ساند مشروعه الفني وتابعه بالكتابة والدعم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة