تشكل المسألة السكانية فى الوقت الراهن تحديا للدول على اختلاف أنظمتها سواء المتقدمة أو النامية، فثمة حقائق لا يمكن تجاهلها عن المشكلة السكانية الآن، فإنها بقدر ما تمس الفرد والمجتمع؛ فإن أبعادها تجاوزت الحدود الإقليمية إلى العالمية حتى أصبحت تفرض على المجتمع الدولي مواجهتها والتصدي لها.
وفي مصر تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارًا وتكرارًا في العديد من الخطابات والفعاليات عن خطورة النمو السكاني ودائمًا يناشد المصريين أن يكونوا منتبهين لهذه الأزمة التي تقف عائقا أمام جهود العمل الجبارة داخل الدولة وأنها تقضى على جهود التنمية، مناشدا المواطنين تنظيم الإنجاب؛ لأن النمو السكاني يفرض ضغوطا كبيرة على موارد البلاد ويعيق جهود الدولة المبذولة فى التنمية من أجل مكافحة الفقر والبطالة ويشمل تهديدا على الاستقرار الاجتماعي ويجعل من الصعب توفير واستيعاب مطالب سكانها بالحاضر ويهدد مستقبل الأجيال القادمة.
وخلال كلمته في افتتاح عدد من مشروعات القطاع الصحى فى محافظة الإسماعيلية، قال السيسى، إن التعريف بخطورة النمو السكانى مهم جدا لكل الأسرة المصرية فى الريف والحضر، قائلا: “أكثر من طفلين مشكلة كبيرة جدا”.
وأضاف: "لا نسعى لحل هذه المشكلة من خلال إصدار قوانين حادة.. مش كل الأمور ممكن تتعمل بشدة.. واحنا شغالين على برنامج لمواجهة الزيادة السكانية.. ونوفر الخدمات المطلوبة لهذا الأمر".
يقصد بالمشكلة السكانية عدم التوازن بين عدد السكان والموارد والخدمات؛ والقضية السكانية في مصر أساسها عدم التوازن بين عدد السكان والموارد الاقتصادية ولا جدال أن مشكلة الزيادة السكانية المتسارعة فى المجتمع المصري من العقبات الرئيسية أمام جهود التنمية في العديد من المجالات الاقتصادية والصحية والتعليمة والخدمية، كما أنها حجر عثرة فى طريق نجاح السياسات الرامية لمكافحة البطالة والفقر بالإضافة إلى تهديد الاستقرار الاجتماعى والحد من نصيب الفرد من الموارد الطبيعية والدخل القومى.
علمًا بأن المشكلة السكانية لا يوجد لها قانون عام ولا تأخذ نفس المعنى والنتائج نفسها فى كل المجتمعات وعلى اختلاف المراحل، بل لكل مجتمع ولكل مرحلة معطياتها الاقتصادية هى التى تحدد طبيعة المشكلة السكانية وهي عدم التوازن بين عدد السكان والموارد والخدمات، لذا يجب أن يكون هناك توازنا بين حقوق الفرد فى الإنجاب المناسبة مع قدراته، وحق المجتمع فى التقدم والنمو.
وقد شغلت المسألة السكانية اهتمام الساسة والفلاسفة والاقتصاديين عبر العصور؛ فقد رأى أرسطو أن الزيادة السكانية الكبيرة ستقود إلى انتشار الفقر وسيقود الفقر إلى انتشار الفوضى، مما يجعل مباشرة الحكومة لمهامها الإدارية من الأمور الصعبة.
وكتب "كنسي" قبل "مالثوس" بأربعين عامًا يقول: ليس للتناسل حدود غير القوت، ومع ذلك يميل التناسل دائمًا إلى الخروج من هذه الحدود ولا أدل على ذلك من وجود أناس في فقر مدقع في كل مكان ورغم ذلك لم يثنهم عن التناسل.
أما "مالثوس" وهو باحث سكاني واقتصادي سياسي إنجليزي، كان مشهورا بنظرياته المؤثرة حول التكاثر السكاني، فيقول: ليست النظم هي المسؤولة عن البؤس والظلم، وإنما تقع المسؤولية على الطبيعة ذاتها؛ فقد ألحظ "مالثوس" تزايد كل من السكان والموارد الغذائية مع مرور الزمن، ولكنهما لا يتزايدان بنفس المعدل، ويؤدي هذا الاختلال في معدل الزيادة إلى ظهور المظالم الاجتماعية.
تعداد السكان
تشير الإحصائيات السكانية إلى أن عدد سكان مصر عام 1800 بلغ نحو 5.2 مليون، ووصل إلى 5 ملايين فى عام 1850، وفي ظل الزيادة السكانية تضاعف العدد من 20 مليونا عام 1950 إلى 40 مليونا عام 1978، وفى عام 2005 نحو 70 مليون نسمة، إلى أن بلغ عدد سكان مصر فى الداخل 87.9 مليون نسمة في عام 2015، وفي عام 2016 وصلوا إلى 92 مليون نسمة، في حين وصلوا 94.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد 2017، وفي بداية عام 2018 وصل عدد السكان إلى 96.3 مليون نسمة، وفي عام 2019 وصلوا إلى 98 مليون نسمة، أما عام 2020 فوصلوا 100 مليون نسمة فى الداخل، أما في هذه اللحظة فقد تخطى عدد سكان مصر الـ 101,530,411 نسمة.
وإذا نظرنا لهذه الإحصائيات نجد أن النمو السكانى فى مصر يفوق النمو السكانى في العالم بمعدل 2.6 سنويًا مقابل %1.2، وتتيح النظرة المتعمقة للوضع السكاني في مصر أن زيادة عدد المواليد هى المسئولة عن النمو السكاني المرتفع في مصر ليصل إلى طفل كل 15 ثانية؛ مما يعني 2.5 مليون مولود سنويًا، وأن استمرار معدل الانجاب على هذه الوتيرة سيصل بسكان مصر عام 2030 لما يقرب من 120 مليون نسمة، كما أن معدل الزيادة السكانية في مصر يتجاوز خمسة أضعاف الدول المتقدمة.
وتبرز خطورة الأمر لو استمر نمو السكان على هذا المنوال إذ يقدر تعداد مصر في هذه الحالة بنحو 132 مليون نسمة بحلول عام 2030، أي بزيادة قدرها 31 مليون نسمة في غضون 10 أعوام فقط.
أسباب الزيادة السكانية
من أسباب الزيادة السكانية زيادة عدد المواليد مع تحسن الحالة الطبية، بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي تؤيد الزواج المبكر، وختان الإناث، وتفضيل إنجاب الذكور، والإنجاب المباشر للزواج، وعدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وعدم الاكتفاء بطفلين، كما أنه ما زالت ثقافة الإنجاب التي تكونت عبر أزمنة طويلة في المجتمع المصري مرتبطة بالعزوة والسند.
أثار الزيادة السكانية على المجتمع المصري
النمو السكاني في مصر كان له أثرًا سلبيًا على قدرة الدولة على تحقيق التنمية المستدامة؛ فنجد الأثار الاقتصادية للزيادة السكانية تتمثل في: زيادة الاستهلاك لدى الأفراد، وزيادة نفقات الدولة على الخدمات، وانتشار ظاهرة البطالة، والانخفاض في نسبة الأجور في القطاع العام والخاص، وارتفاع أسعار الوحدات السكنية والزحف العمرانى على الأراضي الزراعية، وانهيار المرافق العامة.
كما تحتاج مشكلة الزيادة السكانية إلى الوقوف عندها طويلا، وفهم أسبابها ومحاولة علاجها كي لا يمتد أثرها السلبي إلى المجتمع ككل، لأن ذلك سيؤدي إلى حدوث اختلالات في النظام المجتمعي في الدولة، وقد يسبب ظهور الجريمة وانتشارها بسبب تفشي البطالة وقلة الفرصة وحاجة الناس إلى الدخل.
ومن آثرها أيضًا زيادة المخصصات العامة للإنفاق على الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة والمواصلات والإسكان والحماية الاجتماعية والأمن، وذلك على حساب مخصصات الإنفاق الرأسمالى على المشروعات التنموية بقطاعات الإنتاج الرئيسية كالزراعة والصناعة التحولية.
بالإضافة إلى صعوبة رعاية الأبناء، وانخفاض المستوى المعيشى للأسرة، وعمالة الأطفال، وكثرة الخلافات الأسرية، وضعف الرقابة الأسرية نتيجة انشغال الوالدين، وزيادة الضغط النفسى والعصبى على الوالدين.
وتتعدد مخاطر استمرار النمو السكاني المتزايد على كل من الأفراد والأسر والفئات خاصةً الأكثر انجابًا وحرمانًا، والأقل قدرة على مواجهة متطلبات هذه الزيادة المستمرة في الحمل والإنجاب وما يترتب عليها من مخاطر مثل: صعوبة الوصول للخدمات اللأزمة بسهولة، وانعدام الدخل المناسب وهكذا تستمر الدائرة المفرغة.
بالإضافة إلى تكرار مرات الحمل والإنجاب وتوريث الأبناء الفقر والحرمان مما يولد لديهم عمليات العزلة والحرمان وهم يمثلون الكتلة الحرجة "criitizal connectors" اندفاعهم للزواج المبكر والحمل المبكر المتكرر وهكذا، هذا بالإضافة إلى ارتفاع عدد السكان بالمناطق الحضرية "العشوائيات" وشبة الحضرية إلى ما يقرب من %50، وهو ما يمثل عبئًا وخطرًا قائمًا ومتجددًا الآن في تجمعات أكثرها عشوائية مزدحمة بأعداد غفيرة، مع ضعف الخدمات والإمكانات يمكنهم من تحويل سخطهم على الحكومات وغيرها وتؤدي بهم للقيام باحتجاجات وفوضى عارمة.
المشكلة البيئية فيما يتعلق بمشكلات نوعية ضاغطة ومعوقة للتنمية مثل الازدحام والضوضاء والتلوث بأشكاله المختلفة وما ينجم عنها من مشكلات أخرى صحية وسلوكية واجتماعية واقتصادية وتعليمية.
جهود الدولة المصرية لمواجهة أزمة الزيادة السكانية
عرف إعلان "الحق فى التنمية" الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1986 عملية التنمية بأنها عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان، والتى يمكن عن طريقها إعمال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
كما تضمن التقرير الصادر عن معهد الموارد العالمية، حصر عشر تعريفات للتنمية المستدامة، وقد قسم التقرير هذه التعريفات إلى أربع مجموعات: اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية وبيئية.
فمن الناحية الاقتصادية: تعني التنمية المستدامة للدول المتقدمة إجراء خفض في استهلاك الطاقة والموارد، أما بالنسبة للدول النامية فهي تعني توظيف الموارد من أجل رفع مستوى المعيشة والحد من الفقر؛ وفي هذا الاتجاه قامت القيادة السياسية المصرية بعمل العديد والعديد من المشروعات القومية التي توفر فرص العمل من ناحية ومن ناحية أخرى تخفض غلاء أسعار المنتجات كمشروعات الاستزراع السمكي، ومشروعات الثروة الحيوانية والداجنة، والصوب الزراعية، بالإضافة للمشروعات الصناعية، والأعمال الإنشائية والمشروعات التنموية الأخرى.
ومن الناحية الاجتماعية: فإنها تعني العمل على استقرار النمو السكاني ورفع مستوى المعيشة، والحد من الفقر؛ وفي هذا الاتجاه قامت الدولة المصرية ببرامج الحماية الاجتماعية من خلال برنامج تكافل وكرامة، ونظام جديد للتأمينات الاجتماعية والمعاشات، ورعاية الأشخاص بلا مأوى، وأطفال الشوارع، ووحدات علاج الإدمان والتعاطي، وتطبيق نظام التأمين الصحي الاجتماعي الشامل الجديد، وبناء وحدات الإسكان الاجتماعي في كل مدن ومحافظات مصر، وأيضًا الإسكان المتوسط، وبناء مجتمعات عمرانية جديدة.
ومن الناحية التكنولوجية: فإنها تعني الانتقال إلى عصر الصناعات النظيفة التي تستخدم تكنولوجيا صديقة البيئة، تنتج الحد الأدنى من الغازات الملوثة والضارة. وفي هذا الاتجاه بدأت مصر بدعم الذكاء الاصطناعي ومواكبة التحولات التكنولوجية الحديثة وإنشاء الجامعات الأهلية الجديدة، وكليات الذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء، هذا بالإضافة إلى مبادرة تحويل وإحلال المركبات للعمل بالغاز الطبيعي إحدى المبادرات القومية الطموحة التي تتكامل مع استراتيجية الدولة لرفع مستوى معيشة المواطنين وتقديم أفضل الخدمات لهم، فضال عن دعم الصناعة الوطنية فى مجال السيارات، وتعظيم الاستفادة من ثروات مصر الطبيعية واكتشافات الغاز التى تمت مؤخراً.
أما من الناحية البيئية: فهى تعنى الحفاظ على الموارد الطبيعية والاستخدام الأمثل للأراضى الزراعية والموارد المائية. وفي هذا الاتجاه قامت مصر ببناء أكبر محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في العالم "مجمع بنبان"، بالإضافة لاستصلاح مليون ونصف فدان، بالإضافة لتوجه الدولة المصرية الآن لتبطين الترع لتوفير المياه والحفاظ على كمية المياه المستهلكة في الزراعة.
كما عملت القيادة السياسية الحالية على زيادة نسبة مشاركة المرأة "تمكين المرأة" فى سوق العمل، وسنت الدولة القوانين للتمثيل النسبي للمرأة في كافة مجالات الحياة السياسية، وزيادة مستويات تعليم المرأة، والبقاء في سوق العمل بعد الانجاب؛ حيث راعت الدولة جميع الظروف التى تدفع المرأة إلى ترك العمل.
وتقوم الدولة أيضًا ببناء العديد من المدارس والمستشفيات بشكل دورى لمحاولة استيعاب الزيادة السكانية.
وتقوم الدولة المصرية فى الوقت الحالى بالمبادرة الرئاسية "حياة كريمة" للارتقاء بالريف المصري والتطوير الشامل للقرى الأكثر احتياجًا لتحقيق تنمية مستدامة لهم تشمل البنية التحتية والخدمات الأساسية، وتطوير الخدمات العامة، وتحسين مستوى الدخل بإقامة المشروعات المختلفة، والاهتمام بالثقافة والفنون.
وأيضا استمرار الدولة في تطوير العشوائيات بمنطقة الكيلو 4.5 بشرق القاهرة والتي تضم عزبة الهجانة وغيرها استكمال لما تم قبل ذلك من تطوير العشوائيات بحي الأسمرات والارتقاء بتحسين جودة حياة المواطنين لكي يحييوا حياة كريمة.
فوائد الحد من الزيادة السكانية
-1 رفع متوسط الدخل الحقيقي للفرد، حيث إنه يجرى حساب معدل نموه بطرح معدل نمو السكان من معدل النمو الحقيقى للناتج المحلى الإجمالى.
-2 إتاحة مزيد من خدمات المرافق العامة وخدمات البيئة الاجتماعية للمواطنين.
-3 التخفيف من الأعباء المالية على الموازنة العامة للدولة، والناجمة عن تضخم بنود الإنفاق العام.
-4 النهوض بمستوى جودة الخدمات العامة المقدمة.
5 - تحسين المنظومة البيئية من خلال التخفيف من مشكلات التلوث والازدحام والضوضاء والعشوائيات وتدهور المرافق العامة الخ.
وينبغي لتحقيق ذلك
-1 التصدى للمشكلة السكانية من جميع جوانبها المتعددة لا من جانب واحد.
-2 تشكيل فريق عمل متخصص ومتفرغ لتناول المسألة السكانية بشكل متعمق باعتبارها أخطر مشكلة اجتماعية بالمجتمع المصري.
-3 الإرشاد النفسي والتربية السكانية وتنمية الاتجاهات الإيجابية نحو تنظيم الأسرة.
-4 تدريس التربية السكانية في مراحل التعليم المختلفة وخاصة الجامعي.
-5 تقديم علماء الدين الإسلامي والمسيحيُ بخطب تؤكد على ترشيد الأسرة والاهتمام بنوعية الإنسان باعتباره خليفة فى الأرض وأنه يمثل رسالة للتنمية والعمل والإبداع وتنمية الحياة.
-6 زيادة الإنفاق العام على التعليم والصحة والثقافة وضرورة تبني المجتمع لبرنامج طموح لتنظيم الأسرة في إطار برامج التنمية الشاملة.
-7 تفعيل برامج محو الأمية وتشغيل الإناث ومنع عمالة الأطفال مع التطبيق الصارم للقوانين التي تمنع تشغيل الأطفال حتى لا ينظر إليهم كمصدر دخل.
-8 تحسين كفاءة الخدمات التعليمية والتمام بالتعليم الفني وزيادة حجم الانفلاق الموجه إليه وربط الخدمات التعليمية بسوق العمل وتحفيزه وتشجيعه وتحويل خريجيه إلى قوة عمل منتجة، ويجب أن يكون هناك تدخلات من قبل الدولة في سياسات التشغيل ودعم قطاعات معينة.
-9 إبراز خطورة أبعاد المشكلة السكانية ومعالجتها من خلال العالم وخاصة الدراما لما لها من تأثير على الجماهير، توفير حملات إعلانية تساهم في تنمية المواطن بمختلف الفئات والنوعيات وعلى كافة المستويات
-10 دعوة الأحزاب والمنابر السياسية إلى أن تتبني في برامجها مداخل لمواجهة الزيادة السكانية كأحد أهم معوقات التنمية.
ووفقًا لما سبق فإن مشكلة الزيادة السكانية تعتبر قضية مجتمعية وقومية تستحق أن نتوقف عندها ونلفت النظر إليها وخاصةً فيما يتعلق بارتباطها في أذهان الأشخاص في المجتمع المصري بأنها تجلب لهم الخير كما أن زيادة النسل لديهم مازالت ضرورة ومن ضمن أولوياتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة