كان الانزعاج باديا على الملك فاروق، فور أن تلقى نبأ مصرع رئيس ديوانه، أحمد حسنين باشا، بعد ظهر 19 فبراير 1946، وفقا لكريم ثابت، مستشار الملك، فى الجزء الأول من مذكراته «عشر سنوات مع فاروق»، «راجع ذات يوم، 19 فبراير 1946».
أخلص حسنين باشا للعرش، فى الوقت ذاته تزوج من الملكة نازلى، أم الملك فاروق، بعقد عرفى، بعد وفاة زوجها الملك فؤاد، وتحدثت «الأهرام» عن إخلاصه للعرش، ففى عددها يوم 20 فبراير، مثل هذا اليوم، 1946، وعلى صفحتها الأولى التى خصصتها كاملة للحادث بمانشيت «من فجعات القدر: وفاة أحمد حسنين باشا فى حادث تصادم»، قالت: «إلى جلالة الملك المعظم، ترفع الأهرام أصدق التعازى فى هذا المصاب، لرجل كان من أوفى رجال العرش، وأبعدهم تفانيا فى خدمة مليكه ووطنه»، وذكرت «الأهرام» أنه فى لفتة ملكية سامية، منح الملك «الوشاح الأكبر من نيشان محمد على، لاسم المغفور له، حضرة صاحب المقام الرفيع أحمد حسنين باشا».
يطرح كلام «الأهرام» سؤالا: «هل انزعج الملك فاروق بسبب أنه سيفتقد الرجل الذى أخلص له بدليل أنه منحه «نيشان محمد على»؟ أم لأنه لا يعرف المصير الذى ستمضى فيه قصة الزواج من أمه التى نغصت عليه حياته؟
الإجابة تأتى من تصرفات الملك بعد تلقيه النبأ، ويكشف عنها كريم ثابت فى مذكراته، والكاتب الصحفى محمد التابعى القريب من أحمد حسنين، فى كتابه «من أسرار الساسة والسياسة، أحمد حسنين باشا، حياته العامة والخاصة».. يذكر «التابعى»، أنه حين طار الخبر إلى القصر، أسرع فاروق وكان يرتدى بيجامة، وفوقها روب دى شامبر، وفى قدميه شبشب، أسرع بملابسه هذه واستقل إحدى سياراته إلى دار حسنين فى الدقى، ووقف لحظة أمام جثمان حسنين، رائده وأستاذه ومربيه ثم رئيس ديوانه، ثم قال: «مسكين يا حسنين»، وسأل بعدها عن مفاتيح مكتب حسنين، وتناولها، ودخل غرفة المكتب وأغلق وراءه الباب، وكان فاروق يبحث عن أية مذكرات يكون حسنين كتبها، وعن عقد زواجه بأمه الملكة نازلى، وعن أية أوراق مهمة أخرى قد يكون تركها وراءه.
يذكر «التابعى»: «بعد وفاة حسنين بأسبوعين، أوثلاثة أسابيع، ذهب فاروق يزور أمه نازلى فى قصرها الذى ورثته عن أبيها فى الدقى، ودخل إليها فى قاعة القصر الكبرى، وتسمرت قدماه عند الباب، فقد رأى فى صدر القاعة صورة لأحمد حسنين بالحجم الطبيعى وقد جللت بالسواد، وأمام الصورة، وعلى الأرض، جلست أمه الملكة نازلى وحولها سيدات حاشيتها وخادمات القصر وجميعهن متشحات بالسواد، وعلى جانبى القاعة الكبيرة جلس نحو عشرين شيخا يتلون الأوراد ويدعون بالرحمة للراحل الكريم».
يضيف «التابعى»: «توقف فاروق لحظة عند باب القاعة، وقد عقدت الدهشة لسانه، ثم مشى إلى حيث كانت أمه، وقال لها وهو يشير بيده إلى الصورة وإلى السيدات والمشايخ، قال: إيه ده كله؟! وعلشان إيه ده كله؟! مات، خلاص مات، فلزوم ده كله إيه؟!»، وانتفضت «نازلى» واقفة على قدميها، وانفجرت فى ابنها تصيح: «ده اللى عملك راجل، ده اللى حافظ لك على عرشك، بكره راح تشوف يجرى لك إيه، بعد موت حسنين»، يؤكد «التابعى»: «هز فاروق كتفه ساخرا، وانصرف».
أما رواية كريم ثابت، فيبدأها من لحظة إبلاغه من «فاروق» خبر الحادث، وطلبه منه أن يلتقى به فى المستشفى، ولما ذهب إليها وجد أن «حسنين» توفى، وانتقل جثمانه إلى داره، فتوجه إلى الدار، وهناك عرف أن الملك حضر، ثم انصرف»، يضيف «ثابت»، أنه بينما كان يجلس مع بعض مساعدى «حسنين» فى الدار ليسمع منهم تفاصيل الحادث، دخل «فاروق» وكان بادى الانزعاج، فترك المساعدون الحجرة، يتذكر «ثابت»: «تركونا وحدنا، فعزيته، فقاطعنى بقوله: لقد جمعت بنفسى كل أوراقه الخصوصية هنا، وفى عابدين، قبل أن تمتد إليها يد»، يضيف: «استرعى انتباهى اهتمامه بجمع كل أوراق حسنين الخصوصية بنفسه عقب الوفاة مباشرة، وحرصه على أن يكون ذلك أول ما يكلمنى عنه فى تلك الدقيقة، ثم لاحظت أنه لا يتحسر على رائده، ولا يذكر رئيس ديوانه بعبارة واحدة تنم عن حزنه، وبينما كنت أتوقع أن أسمع منه كلمة فى رثائه، قال: تركنا واحنا فى عز الشغل، ولم يقل: ونحن فى حاجة إليه.. كأنه يلوم حسنين على الوقت الذى اختاره لإجازته، أو لرحلته».
يؤكد «ثابت»: «بعد قليل أنعم على اسمه بالوشاح الأكبر من نيشان محمد على، وفسر الناس هذا التكريم لرئيس ديوانه بأنه تحية لإخلاصه وتقدير لخدمته، أما هو فقال: لكى يتمكنوا من تشييع جنازته العسكرية».
ويستمر كريم ثابت فى سرد شهادته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة