توقفت السيارة الميكروباص على الطريق الدائرى، كى ينزل منها أحد الركاب، واقترب شاب منى وسألنى: عايز أروح المستقبل؟ لم أستوعب ما الذى يقصده بالضبط، وفكرت ما الذى يقصده بالمستقبل، ومرت ثوانى ثقيلة فعلا، قبل أن يتدخل أحد الركاب ليقول له "عليك أن تعبر الناحية الأخرى ستجد مواصلات للمستقبل" حينها فقط عرفت أن المستقبل الذى يتحدث عنه هو اسم مكان.
أثار ذلك فى نفسى ذكريات الطريقة العربية الخالدة فى اختصار المعانى لأسماء معينة، وجميعنا يتذكر كيف أن كلمة "القدس" كانت فى التسعينيات تطلق على كل الأشياء المدن والشوارع والبيوت والسوبرماركت وغيرها، كأن إطلاق الاسم يعنى تحقق القصد والغاية، كذلك الأندلس التى سقطت فى سنة 1492 ولكننا استبدلناها بمكتبة صغيرة أمام الجامعة أو بحديقة صغيرة تحمل الاسم، كان ذلك اختصارات غريبا، يفهمه المتخصصون فى علم النفس، إنه نوع من التطهير الذى تمارسه الشعوب دون وعى، تحاول أن تتخلص من عقدة الإحساس بالذنب.
وبالطبع أتمنى ألا نختصر المستقبل فى اسم مكان نذهب إليه عن طريق سيارة ميكروباص أو أتوبيس أو حتى سيارة ملاكى، الموضوع أكبر من ذلك، يحتاج أولا إلى تحديد معنى "المستقبل" أن يصبح دالا على نقلة حضارية، وليس مكانا معينا، أن يكون مرتبطا بالأفكار والتخطيط، وأن يشمل المجتمع كله.
المستقبل طريق طويل على الجميع أن يشارك فيه مشاركة حقيقية لا أن يذهب إليه في مشوار عمل أو سكن مؤقت ثم يعود إلى بيته في منطقة الماضى.