أصدرت الدائرة التجارية والاقتصادية بمحكمة النقض حكماَ قضائياَ في غاية الأهمية بشأن التصدي لمسألة التلوث البيئي، رسخت فيه لعدة مبادئ ومفاهيم قضائية حول الاتفاقية الدولية لمنع التلوث البحرى من السفن.
وقالت المحكمة فى حكمها "ضرورة التعويض عن كل الأضرار الناجمة عن حوادث التلوث المترتب على مخالفة أحكام القوانين وكذلك الاتفاقات الدولية التى تكون جمهورية مصر العربية طرفاً فيها أو عن حوادث التلوث بالمواد السامة وغيرها من المواد الضارة أو الناجمة عن التلوث من الجو أو من جنوح السفن أو اصطدامها أو التى تقع خلال شحنها أو تفريغها، أو عن أية حوادث أخرى، ويشمل التعويض جبر الأضرار التقليدية والبيئية وتكاليف إعادة الحال لما كانت عليه أو إعادة إصلاح البيئة".
المحكمة في حيثيات الحكم المقيد برقم 11732 لسنة 87 قضائية قالت أن المقررفي قضاء هذه المحكمة أن الأحكام تدور مع علتها لا مع حكمتها، ومن ثم فلا يجوز إهدار العلة وهى الوصف الظاهر المنضبط المناسب للحكم للأخذ بحكمة النص، وهى ما شرع الحكم لأجله من مصلحة أريد تحقيقها أو مفسدة أريد دفعها، وأنه متى كان النص عاماً مطلقاً فلا محل لتخصيصه أو تقييده استهداء بالحكمة منه، وذلك لأن محل هذا البحث إنما يكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، إذ إن في ذلك استحداث لحكم مغاير لم يأت به النص عن طريق التأويل.
الاتفاقية الدولية لمنع التلوث البحرى من السفن
فإذا كان ذلك، وكان النص في البند الثالث من المادة الأولى من الفصل الأول من الباب التمهيدى من القانون رقم 4 لسنة 1994 بإصدار قانون في شأن البيئة المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 9 مكرر في الأول من شهر مارس سنة 2009- المنطبق على الواقعة - قد نص على أنه: " يقصد بالاتفاقية في مجال تطبيق هذا القانون " الاتفاقية الدولية لمنع التلوث البحرى من السفن لعام 73 / 1978 وكذا الاتفاقيات الدولية التى تنضم إليها جمهورية مصر العربية في مجال حماية البيئة البحرية من التلوث والتعويض عن حوادث التلوث "، هذا وقد نص البند السابع من ذات المادة على أن يقصد بتلوث البيئة في مجال تطبيق أحكام هذا القانون: "كل تغير في خواص البيئة يؤدى بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بصحة الانسان والتأثير على ممارسته لحياته الطبيعية، أو الإضرار بالموائل الطبيعية أو الكائنات الحية أو البيولوجية ".
التأثير على الكائنات الحية والأسماك في البحار
وبحسب "المحكمة" - قد نص البند الثامن من ذات المادة على أن يقصد بتدهور البيئة في مجل تطبيق أحكام هذا القانون: "التأثير على البيئة مما يقلل من قيمتها أو يشوه من طبيعتها البيئية أو يستنزف مواردها أو يضر بالكائنات الحية أو بالآثار، ثم عرف البند الثانى عشر من ذات المادة التلوث المائى في مجال تطبيق هذا القانون على أنه: " إدخال أية مواد أو طاقة في البيئة المائية بطريقة إرادية أو غير إرادية مباشرة أو غير مباشرة ينتج عنها ضرر بالموارد الحية أو غير الحية ، أو يهدد صحة الانسان أو يعوق الأنشطة المائية بما في ذلك صيد الأسماك والأنشطة السياحية أو يفسد صلاحية مياه البحر للاستعمال، أو ينقص من التمتع بها أو يغير من خواصها".
ونص في البند الرابع عشر من ذات المادة على أنه يقصد بالمواد الملوثة للبيئة المائية في مجال تطبيق أحكام هذا القانون: " أية مواد يترتب على تصريفها في البيئة المائية بطريقة إرادية أو غير إرادية تغيير في خصائها أو الإسهام في ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على نحو يضر بالإنسان أو بالموارد الطبيعية أو بالمياه البحرية أو تضر بالمناطق السياحية أو تتداخل مع الاستخدامات الأخرى المشروعة للبحر ويندرج تحت هذه المواد:
أ - الزيت أو المزيج الزيتى "، كما نص في البند الخامس عشر من ذات المادة على أن يقصد بالزيت في تطبيق أحكام هذا القانون " جميع أشكال البترول الخام ومنتجاته، ويشمل ذلك أى نوع من أنواع الهيدروكربونات السائلة وزيوت التشحيم وزيوت الوقود ... "، ونص البند الثامن والعشرين من ذات المادة على أن يقصد بالتعويض في مجال تطبيق أحكام هذا القانون: " التعويض عن كل الأضرار الناجمة عن حوادث التلوث المترتب على مخالفة أحكام القوانين وكذلك الاتفاقات الدولية التى تكون جمهورية مصر العربية طرفاً فيها أو عن حوادث التلوث بالمواد السامة وغيرها من المواد الضارة أو الناجمة عن التلوث من الجو أو من جنوح السفن أو اصطدامها أو التى تقع خلال شحنها أو تفريغها، أو عن أية حوادث أخرى، ويشمل التعويض جبر الأضرار التقليدية والبيئية وتكاليف إعادة الحال لما كانت عليه أو إعادة إصلاح البيئة ".
الهدف من حماية البيئة المائية
كما نصت المادة الثامنة والأربعون من ذات القانون السابق على أن تهدف حماية البيئة المائية إلى تحقيق الأغراض الآتية :
(أ) حماية شواطئ جمهورية مصر العربية وموانيها من مخاطر التلوث بجميع صوره وأشكاله . (ب) حماية بيئة البحر الإقليمى والمنطقة الاقتصادية الخالصة ومواردها الطبيعية الحية وذلك بمنع التلوث أياً كان مصدره وخفضه والسيطرة عليه.
( ج ) التعويض عن الأضرار التى تلحق بأى شخص طبيعى أو اعتبارى من جراء تلوث البيئة المائية " .
لما كان ذلك ، وكانت نصوص القانون 4 لسنة 1994 بشأن حماية البيئة المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009 – المنطبق على الواقعة - قد ضربت سياجاً متيناً من الحماية الجنائية لعدم الإضرار بالموائل الطبيعية والكائنات الحية، ومن أجل المحافظة على التنوع الحيوى والبيولوجى للبيئة البحرية، وحظرت إدخال أية مواد أو طاقة في البيئة المائية بطريقة إرادية أو غير إرادية مباشرة أو غير مباشرة ينتج عنها ضرر بالموارد الحية أو غير الحية، أو يهدد صحة الإنسان أو يعوق الأنشطة المائية بما في ذلك صيد الأسماك والأنشطة السياحية أو يفسد صلاحية مياه البحر للاستعمال أو ينقص من التمتع بها أو يغير من خواصها وأقرت تلك النصوص الحق لكل شخص طبيعى أو اعتبارى في المطالبة بالتعويض عن الأضرار التى لحقت به والناجمة عن حوادث التلوث التى تؤثر على البيئة البحرية وتنوعها البيولوجى أو تنقص من قيمتها أو تستنزف مواردها أو تضر بالكائنات الحية بها أو تعوق الأنشطة المائية بما في ذلك صيد الأسماك.
حماية بحيرة البردويل من التلوث
إلا أن الحكم المطعون فيه - إذ ضرب بعلة تلك النصوص جميعها عرض الحائط وقضى بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى الأصلية مجتزئاً القول في ذلك بأن التعويض عن الأضرار أو الخسائر الناجمة عن التلوث بوقود السفن الزيتى يغطى إتلاف البيئة ولا يشمل أى خسائر في الأرباح تكون قد نجمت عن هذا الإتلاف، كما أعرض عما أثبته تقرير اللجنة الخماسية لعلوم البحار والمصايد من أن تسرب الزيت البترولى من السفينة، قد نتج عنه رصد مستويات متزايدة من الهيدوركربونات البترولية بمياه بحيرة البردويل خلال شهر أغسطس 2009 ، وفبراير 2010 ثم اختفى التأثير بنهاية عام 2010، وأن التسرب البترولى قد وصل إلى مياه المتوسط وانتشاره في اتجاه ملاحة بورفؤاد، وبورسعيد، وبحيرة البردويل، والعريش وأدى ذلك إلى نقص الإنتاج السمكى والتأثير المباشرة على الطبيعة البحرية والمائية وما بها من كائنات حية كمأ وكيفاً وعلى الصحة العامة لما سببه من تأثير ضار على مكونات البيئة البحرية فإنه يكون معيباً بمخالفة الثابت بالأوراق الذى جره إلى مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه.
يشار إلى أن بحيرة البردويل بمحافظة شمال سيناء تتميز بجودة نوعية الأسماك المنتجة منها، كونها البحيرة الوحيدة التي لا تزال بعيدة عن مصادر التلوث بأنواعه، حيث تنتج أسماكا فاخرة يتم تصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبي، كما تتميز بوجود نظام بيئي فريد متزن ساعد على وجود تنوع في التركيب المحصولي في الإنتاج السمكي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة