إذا كان لأحد فضل فى تفكيك ظاهرة الدعاة الجدد، فهو للكاتب الكبير وائل لطفى، والذى بدأ مبكرا فى دراسة هذه الظاهرة التى كانت أشبه بعملية إنزال داخل قلب المجتمع، وفى كتابه عن الدعاة الجدد، ثم دعاة السوبر ماركت، واصل عملية البحث بشكل مكثف ودؤوب.
لم يلجأ وائل لطفى لإصدار أحكام، لكنه تابع تحركات وجذور دعاة نجوم مثل عمرو خالد وغيره، ومزج بين البحث الميدانى الصحفى، والبحث الاجتماعى والأنثروبولوجى، تابع الدعاة فى مساجدهم وأماكن نجوميتهم، وأيضا فى النموذج الفكرى الذى نقلوه وحاولوا استنساخه وتقليده، كما تابع «لطفى» خطابات الدعاة الجدد فى المساجد والجلسات مع التفاعل معهم بالسؤال والتقصى، ثم البحث عن أصل الظاهرة فى النموذج الأمريكى، الأكثر بروزا فى تسويق السلع والأفراد.
ويرجع الفضل لوائل لطفى، فى تتبع عمليات الاستنساخ والنقل، حيث كشف أن الهيئة الجديدة والعصرية للدعاة الجدد، منسوخة من رجال دين ينتمون إلى دين آخر تماما، هم الوعاظ البروتستانت، ولم يكن التشابه فى الشكل، لكن أيضا فى طريقة صياغة الخطاب، وطريقة توصيله، وفى فهم دور الداعية أو رجل الدين، وطبيعة علاقته بجمهوره، وأنهم أقرب لتجار أفكار، هدفهم الربح، وأيضا الاستناد على تيار واسع له بنيته التحتية الجاهزة.
ونجح وائل لطفى فى كشف دعاة السوبر ماركت فى تسعينيات القرن العشرين، والذين لم يكونوا ينتمون لا لدعاة الأزهر بتعليمهم وزيهم التقليدى، ولا للسلفيين الذين يتميزون أيضا بمظهر معين وخطاب ملىء بالزجر والتخويف، كان الدعاة الجدد مناسبين لعصر السوبر ماركت، يرتدون زيا يشبه زى الجمهور الذى يستمع إليهم، وكانوا يتحدثون بلهجته «العامية البسيطة» أو اللغة البيضاء، التى تجمع بين الفصحى والعامية.
كان كتاب «الدعاة الجدد» بداية مشروع مترابط لوائل لطفى، يحمل خليطا من البحث الصحفى، مع العمق النظرى، وهو ما يجعله صاحب سبق فى هذا المجال، ونجح فى تفكيك وفهم الظاهرة، وحاول كثيرون تقليده، أو بدأوا العمل بناء على مشروعه المهم.
ومن هنا، يمكن النظر إلى كتاب جديد يبدو مختلفا عن كتابيه السابقين، لكنه فى الواقع استكمال للمشروع الكاشف لظاهرة أثرت، وما زالت، فى المجتمع المصرى والعربى، ومهدت لتحولات لم تكن لصالح المجتمع، حيث سادت فكرة النجومية على الفكرة، منذ مرحلة «الكاسيت» التى اجتاحت المجتمع فى الغناء والخطابات، وتحولت إلى بداية عصر يعيد صياغة الأفكار.
وفى كتابه «دعاة عصر السادات» الصادر عن دار العين، يقدم نجوم الدعوة فى السبعينيات، وهى الفترة التى كانت نقطة تحول كبرى، وتعد هى التأسيس للدعاة الجدد، حيث بدأ الرئيس السادات فى بناء مشروع يقوم على مصالحة تنظيم الإخوان، والعلم والإيمان، والذى كان الشيخ محمد متولى الشعراوى أحد أبرز نجومه ورموزه، حيث يربط «وائل» بين نجوم المرحلة من الدعاة، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية، وكان الشيخ عبدالحميد كشك أيضا من نجوم هذه المرحلة، والذى يعتبره المؤلف بداية «توك شو» يقدم فيه الشيخ كشك سخرية، وانتقادا للمجتمع، والغناء والفن، وليس للاقتصاد أو التحولات السياسية.
يتناول وائل لطفى فى كتابه «دعاة عصر السادات»، جذور نجوم المرحلة، مثل الغزالى والمحلاوى، بل وجدى غنيم الذى تحول إلى شتام وكان أحد نجوم عصر التلميع، يقوم الكاتب بذلك بناء على توثيق وربط وبناء فكرى، يكشف عن جهد كبير، بل إنه يشير إلى جذور أسست لمرحلة صعود الإخوان وتجذرهم فى المجتمع، مستفيدين من زخم ارتبط فيه الاقتصاد بالدين والتجارة بالسياسة.