في ظل التحديات الخطيرة التى تمر بها المنطقة بشكل عام، والتهديدات المباشرة وغير المباشرة التي تتعرض لها الأمة العربية، على وجه الخصوص، طيلة السنوات العشر الأخيرة، ومستمرة حتى الآن، كان من الضرورى تغليب لغة العقل والمنطق، في التعاطى مع فكرة الرئيس عبدالفتاح السيسى، التى طرحها عام 2015 بتشكيل قوة عربية مشتركة، تكون درعا وسيفا، وتحفظ وتصون الأمن القومى العربى.
نعم، الرئيس عبدالفتاح السيسى، كان قارئا مبهرا للمستقبل، وما تمر به المنطقة من حراك يشبه تسونامى، لإغراق الدول وإسقاطها في وحل الفوضى، الواحدة تلو الأخرى، لذلك طرح الفكرة منذ أكثر من 6 سنوات، ولاقت حينها، موافقة وتفاعلا من بعض الدول، وفى 29 مارس 2015 قرر مجلس جامعة الدول العربية، الموافقة على الفكرة، وكان رقم القرار 628، وتقرر إعداد بروتوكول مكتوب، يتضمن 12 مادة، يحدد تعريفا كاملا ويرسم سيناريو وافيا لمهام القوة.
هذه الفكرة البراقة والمدهشة التى تبنتها مصر، كان هدفها حماية الأمن القومى العربى، وأن يكون للعرب قوة عسكرية قادرة على الدفاع والردع، وتتخلص الأمة من شراء الحماية والأمان، إلا أنه وللأسف، غابت إرادة التنفيذ، وتغليب المصلحة العليا للأمة، فوق المصالح الخاصة الضيقة.
ولم يكتفى العرب بوآد الفكرة المصرية، وإنما دشنوا على أنقاضها أفكار تفتقد لآليات التنفيذ والقدرة، ومنها التحالف الإسلامى العسكرى لمحاربة الإرهاب، وهو حلف عسكرى أُعلن عنه فى 15 ديسمبر 2015، يهدف إلى «محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبها وتسميتها»، حسب بيان إعلان التحالف، حينها، ويضم 40 دولة مسلمة، وانتظرنا التنفيذ، ولكن ظل الاقتراح مسجل على الورق فقط، ثم ظهرت فكرة تشكيل «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجى»، مع توفير قوة احتياط قوامها «34» ألف جندى لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية فى العراق وسوريا عند الحاجة.
تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجى، أو ما يطلق عليه «ناتو عربى إسلامى سنى أمريكى» كان مجرد فكرة ذهبت أدراج الرياح، فلا يمكن لأى تحالف يضم قوى الشتات، أن يكتب له النجاح، عكس لو تم تنفيذ فكرة مصر بتشكيل قوة عربية مشتركة، محددة الأهداف، والآليات، ستكون أكثر فاعلية وقدرة على الدفاع عن الأمن القومى العربى، قناعة بالمثل القائل «لا يحك جلدك إلا ظفرك».
الدليل ما تتعرض له المملكة العربية السعودية، من محاولة ابتزاز رخيصة، واستثمار حادث جنائى، لإحراجها أمام المجتمع الدولى، ورغم جهد مصر وموقفها الواضح المساند والداعم للسعودية، إلا أنه لو تم الموافقة على إنشاء القوة العربية المشتركة والتى كان قوامها مصر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت، والأردن وربما الجزائر والمغرب، ما تعرى صدر الأمة وظهرها، وكان العمل سيكون جماعيا على غرار «الناتو» وليس فرديا، ولكان للعرب جيش قادر على تغيير خريطة القوة على الأقل فى المنطقة، ويصبح رقما صحيحا وفاعلا فى معادلة القوة الدولية، وسيقف ندا قويا فى مواجهة «حلف الناتو»، وإجبار كل أعداء الأمة على أن يضعوا فى حساباتهم أنه أصبح، أخيرا، للأمة العربية جيشا قادرا على الردع والحماية، ويصبح رقما فاعلا فى معادلة القوة العالمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة