قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف: إن الأزهر الشريف أدرك بحسه الديني وواجبه الإنساني ودوره العالمي؛ حاجة البشرية إلى هذا النور الذي يبدد ظلمات العنف والتطرف، ويكشف التيارات المنحرفة، فأعلن الأزهر عن وثيقتين؛ جاءت الوثيقة الأولى عام 2017، تحت عنوان: «إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك»، أكد الأزهر من خلالها أن المسلمين والمسيحيين إخوة في الإنسانية، وشركاء في الوطن، وأنهم جميعا مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، كما نص هذا الإعلان على أن «المواطنة» مصطلح أصيل في الإسلام، تقوم على قبول التعددية الدينية والعرقية والاجتماعية، وجاءت الوثيقة الثانية عام 2019، وحملت عنوان: «وثيقة الأخوة الإنسانية»، متوجها الأزهر من خلالها إلى العالم بأسره، بدءا بقادة العالم وصناع السياسات الدولية والاقتصادية العالمية، من أجل وقف الحروب وسيل الدماء غير المبرر، والعمل المشترك على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، كما وجه من الأزهر من خلالها رسالة إلى المفكرين والفلاسفة ورجال الدين والفنانين والإعلاميين والمبدعين بضرورة العمل على تفعيل هذه المبادئ المشرقة، مؤكدا أن مبادئ هذه الوثيقة تواجه الانحدار الثقافي والأخلاقي الذي يعارض القيم والثوابت، ويعاني منه العالم.
وأضاف وكيل الأزهر، إننا اليوم نحتفل بحدث تاريخي مهم ومؤثر؛ موضحا أن توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" يفتح الأبواب لإعادة النظر في القواعد والأيديولوجيات التي تنظم العلاقات بين أتباع الأديان والعقائد، بما يضمن الكرامة الإنسانية ولا يقضي على الهويات، مضيفا نحن اليوم تمر بنا الذكرى السنوية الثانية لتوقيع هذه الوثيقة في وقت تشتد فيه حاجة العالم إلى مبادرات حقيقية وجهد صادق وفاعل لكبح جماح التطرف الديني والفكري، ولفضح الأجندات الممولة التي تهدد بضرب أسس وركائز العلاقات بين الأمم وتغذي فرضيات ونظريات صراع الحضارات وصدامها.
وأكد الدكتور الضويني أن وثيقة "الأخوة الإنسانية" تضمنت قيما نبيلة نصت عليها الشرائع السماوية كافة، فحثت على إفشاء السلام، واتخاذه منهجا حياتيا، ودعت إلى إعلاء قيم التعارف والعيش المشترك، وأكدت حق الإنسان في الحرية المسؤولة، سواء في العقيدة أو الفكر أو التعبير أو الممارسة، وأرست آداب التعامل في ظل التعددية والاختلاف في الدين واللون والجنس والعرق واللغة، موضحا أن هذه الوثيقة نادت بإقامة العدل المبني على الرحمة، وبالحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، وهي جميعا مبادئ توفر للبشر كل مقومات الحياة الكريمة، وتصل الإنسانية بهذه القيم النبيلة إلى كل خير.
من جانبه قال المستشار محمد عبد السلام، الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية، إن وثيقة الأخوة الإنسانية انطلقت قبل عامين بمجهود مشترك من قائد ملهم وفذ هو فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذي سطر مسيرة السلام ورسم طريق الأخوة الإنسانية، وصاغ بنودها برحمة وحب، ورجل محب للسلام هو قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وبدعم مخلص صادق من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، راعي وثيقة الأخوة الإنسانية، حيث دعم هذه الوثيقة بكل صدق وإخلاص لإخراجها من بين دفتيها إلى مبادرات ومشروعات واقعية.
وأكد عبد السلام خلال كلمته اليوم في احتفالية الأزهر الافتراضية عبر الإنترنت باليوم العالمي للأخوة الإنسانية، إن التحدي الأكبر بعد التوقيع على الوثيقة كان نقل مبادئ الوثيقة التاريخية إلى أرض الواقع، وهو طريق ومشروع صعب للغاية يحتاج إلى تضافر الجهود لكي نمضي بالسرعة المطلوبة ونحقق أهداف الوثيقة، وقد أطلقنا عدة مبادرات تستهدف الشباب والمرأة والتعليم والثقافة والحوار بين أتباع الأديان، وأطلقنا مشروعات استراتيجية مثل البيت الإبراهيمي وهو رسالة بأن طريق البشرية واحد وأن لكل دين خصوصيته، وخصوصية الأديان من أهم رسائل الأخوة الإنسانية.
وتقدم المستشار عبد السلام بالشكر إلى الدبلوماسية المصرية والعربية حيث شكلت الدبلوماسية العربية وخصوصًا المصرية والإماراتية والسعودية والبحرينية تحالفًا إنسانيًّا لإحراز هذا الهدف السامي بالاستجابة لمبادرة اللجنة العليا للأخوة الإنسانية باعتماد يوم توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية يومًا دوليًّا يُحتفى به كل عام، والملهم في هذا القرار أنه جاء بالإجماع خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا يدل على أن الأخوة الإنسانية لا خلاف عليها.
وعبر عبد السلام عن ثقته وأمله في أن تدخل الأخوة الإنسانية في عامها الثالث مرحلة عالمية جديدة، مرحلة تصل فيه إلى العقول والقلوب، لتصبح بمثابة المظلة الجامعة للبشرية، وتكون الوثيقة دستورها الأخلاقي الذي يمنعها من الانزلاق وراء نزعات الهيمنة والسيطرة والقضاء على الآخر، وبالطبع لن نفعل ذلك بالأحلام والتمني، بل يحتاج ذلك منا إلى عمل دؤوب يسير وفق خطط مدروسة ومعدة تراعي مشكلات العالم المعقدة وتسعى لحلها دون كلل أو ملل سعيًا لسعادة وخير الإنسانية، وقد أثبتت لا أزمة كورونا أنه لا نجاة للإنسانية بدون أخوة حقيقية تجعلها أقوى في وجه كل الأزمات والكوارث.
واختتم الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية كلمته بالتأكيد على أن الأزهر سطَّر بقيادة الإمام الطيب تاريخًا جديدًا برعايته لوثيقة الأخوة الإنسانية، ولا زال يقدم للإنسانية المحبة والسلام من خلال الجهد الكبير الذي يشارك به بقياداته وجامعته ومعاهده ومختلف هيئاته من أجل تطبيق الوثيقة، فأثبت بذلك أنه مؤسسة جديرة بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه تجاه الإنسانية، معربًا عن شكره وتقديره للأزهر ومؤسساته وهيئاته وطلابه وفريق شباب صناع السلام الذين شاركوا بأفكار مبدعة، ويعملون بجد وإخلاص منقطع النظير من أجل نشر مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية، لذا فنحن نرى فيهم شريكًا أساسيًا وفاعلًا في كل مبادراتنا، ونعول عليهم كثيرًا في العمل لأجل السلام والعدل والحق لكل البشر.
جاء ذلك خلال احتفالية الأزهر الافتراضية عبر الإنترنت باليوم العالمي للأخوة الإنسانية، اليوم الأربعاء، بمشاركة لفيف من علماء الأزهر والكنائس المصرية والعالمية والخبراء والأساتذة في مجال الأديان والقانون والاجتماع والإعلام والأدب، للحديث حول دور وثيقة الأخوة الإنسانية في إرساء السلام العالمي والعيش المشترك، ودور المؤسسات الدينية والدولية في تعزيز الأخوة الإنسانية، وذلك بعدما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والسبعين ذكرى توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية 4 فبراير يوما عالميا للأخوة الإنسانية، حيث وقع شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان هذه الوثيقة التاريخية في أبو ظبي يوم 4 فبراير 2019.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة