"تحالف اللقاحات".. شعار جديد يطفو على السطح، بعد صراع دولى دام لشهور عدة، حول أسبقية الخروج بلقاح من شأنه مجابهة "شبح الموت" الذى يلاحق مليارات البشر منذ تفشى فيروس كورونا، في أواخر 2019، في انعكاس صريح لرغبة العديد من القوى الدولية، ليس فقط التسلح بالعلم لمجابهة الأزمة الإنسانية الراهنة، وإنما أيضا لتضع نفسها في صورة "المنقذ" الذى من شأنه التدخل لحماية الأمن العالمى، في مجابهة الكوارث التي تمثل تهديدا للسلم والأمن الدولى، في ضوء مخاوف كبيرة جراء تزايدها المحتمل في المستقبل، لتضيف، إلى جانب الأزمات الأخرى، وعلى رأسها الإرهاب وتصاعدة نبرة التطرف في الشرق والغرب، بالإضافة إلى ظاهرة التغير المناخى، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية، العديد من المسئوليات المتراكمة على كاهل القوى الكبرى المهيمنة على العالم.
ولعل الجديد في أزمات المرحلة الراهنة يتجسد في تعددية أبعادها، حيث تجاوزت النطاق الجغرافى، لتهدد كافة دول العالم على حد سواء، بعيدا عن إمكاناتها المادية أو البشرية أو العلمية، وهو ما بدا في عجز دول العالم المتقدم عن مجابهة الفيروس القاتل، رغم ما تمتلكه من مزايا، حيث تضررت بنسبة تضاهى، وقد تفوق، الدول الفقيرة، والتي كانت بمثابة أول ضحايا الأزمات الدولية، لعقود طويلة من الزمن، بينما كرست أزمة كورونا، طبيعة جديدة للأزمات الدولية، تتجاوز الزمن، باعتبارها "طويلة المدى"، حيث أن الوصول إلى حل لها ربما يستغرق سنوات طويلة، ناهيك عن إمكانية "تحورها" لتضع المزيد أمام التعقيدات لحلها، وهو ما يفرض واقعا جديدا يقوم في الأساس الحاجة إلى "القيادة المتعددة"، بعيدا عن النهج الأحادى الذى سيطر على العالم منذ التسعينات من القرن الماضى.
وهنا أصبحت الحاجة ملحة إلى بناء تحالفات، تتسم بتنوع أبعادها، فلا تقتصر على البعد السياسى، وإنما تمتد إلى جوانب أخرى، لتتجاوز الطبيعة "الصراعية" التي تتسم بها قواعد العلاقات الدولية لعقود طويلة من الزمن، وهو ما تجسد في الإعلان عن المزج بين لقاح "سبوتنيك" الروسى، واللقاح الذى أنتجته شركة "أسترازينيكا" البريطانية، في محاولة لمواجهة السلالات الجديدة لفيروس كورونا "متعدد الجنسيات"، في ظل انطلاقه من الصين، بينما شهد ميلاد سلالات جديدة في بريطانيا وجنوب إفريقيا وغيرهما.
وتعد محاولة المزج بين اللقاح الروسى والبريطانى، بمثابة انطلاقة لحقبة جديدة من التحالفات متعددة الأبعاد، والتي تتجاوز في طياتها الخلفيات السياسية والصراعية بين القوى الدولية، ولمجابهة الطبيعة الجديدة للأزمات، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار الصراع التاريخى بين لندن وموسكو، منذ الحرب الباردة، بينما تأجج في العديد من المراحل بعدها، وأخرها في أعقاب قضية العميل الروسى المزدوج سيرجى سكريبال، وابنته يوليا، على الأراضى البريطانية، وما ترتب عليه من اتهامات بريطانية صريحة للندن، في التورط بالحادث.
وهنا يصبح المزج بين اللقاحات مدخلا مهما لتغير خريطة التحالفات الدولية، لتخضع لمعايير جديدة، تقوم في الأساس على الحاجة لمجابهة الأزمات، بالإضافة إلى الحاجة المتبادلة لطى صفحة "الصراع"، في ضوء معطيات أبرزها الظروف الدولية المحيطة بكل طرف، فروسيا تبدو في حاجة ملحة للتحالف مع بريطانيا، لاختراق أوروبا الغربية، وتحقيق قدر من التوازن مع الولايات المتحدة في مناطق نفوذها الرئيسية من جانب، بينما تبقى لندن في حاجة إلى شركاء جدد في ظل صدام محتمل مع المحيط القارى، في أعقاب الخروج من الاتحاد الأوروبى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة