كل يوم يتضح أن «كورونا» أكثر من مجرد فيروس، فهذا الكائن الذى لا تمكن رؤيته من دون تكنولوجيا فائقة تكبره ملايين المرات، يغير فى سلوكيات ومشاعر البشر بشكل لم تفعله حروب وكوارث، ويبدو أن مقولة: «العالم بعد كورونا ليس هو نفسه قبلها»، لا تتعلق فقط بالسياسة والاقتصاد، لكن حتى بمشاعر البشر وقدرتهم على التعايش مع الحزن والخوف.
الرعب الذى يصنعه الفيروس وتداعياته فى البشر، وعدد الذين يرحلون فجأة من دون وداع، أو العائلات التى تفقد عددا من أفرادها، ثم إن أيام وساعات الحظر فى الشهور الأولى، غيرت من مشاعر الكثيرين ومخاوفهم وتركيبتهم النفسية بل والعقلية، وكل هذا وسط أنباء الموت والمرض، طبعا الوباء اجتاح العالم كله بدرجات مختلفة. وعدوى الرعب كانت تنتقل مع الأخبار، فى عالم يتابع الفيروس لحظة بلحظة، وسط حالة من البث والنشر للكثير من المعلومات، يصعب أحيانا التفريق بين الحقيقى، والمبالغ فيه والزائف، اختلافات واسعة وتعدد فى الآراء والأفكار، وكانت عالمية الحدث أيضا أحد عوامل المقارنة، وأن نرى أن وفيات وإصابات أقل تقدم نوعا من العزاء، بالرغم من أنه موت فى كل الأحوال، والتأثير الأكبر فى الأفراد والأسر والمشاعر الطبيعية، حيث توقفت السلامات والأحضان والتعبير الجسدى عن المشاعر.
وحتى ما بعد ظهور اللقاحات، والحديث عن تراجع عالمى فى عدد الإصابات، لكن تبقى الجائحة مستمرة، لدرجة أن دولا فى أوروبا أصبحت تتحدث عن أزمة فى المقابر أو تجهيز الموتى، مثل الأزمة التى تشهدها بريطانيا بسبب «كورونا» وسط جهود الحكومة لتطعيم أكبر عدد من المواطنين باللقاحات، بعد أن كسرت الوفيات حاجز الـ100 ألف، وتجاوزت أعداد قتلى بريطانيا فى الحرب العالمية، الأزمة كشفتها صحيفة «ميرور» البريطانية فى تقرير لها عن فوضى فى دور الجنازات، حيث تتراكم جثامين الضحايا فى مستودعات لمدد تصل فى بعض الأحيان لخمسة أسابيع، بعد نفاد القبور المجهزة للدفن، بعد وفاة 30 ألف شخص فى شهر واحد جراء الوباء، كانت هناك 90 ألف جنازة إضافية العام الماضى مع زيادة عدد الجنازات بمقدار الثلث فى عام 2021 بالفعل، وقال متعهد دفن الموتى المقيم فى ليفربول: «إنهم كثيرون، الضحايا يتزايدون بشكل قاس، هناك ارتفاع فى نسب الوفيات بين الشباب إثر إصابتهم بوباء كورونا».
وحسب منظمة الصحة العالمية تجاوزت وفيات الوباء حول العالم 2.3 مليون منذ بداية الأزمة، بينما الحصيلة تجاوزت فى الأسبوع الماضى 96 ألف شخص، وهم أسماء وأشخاص، وليسوا مجرد أرقام فى الإحصائيات، لكل منهم حياته وأحلامه وخططه للمستقبل، وسوف تبقى تأثيرات هذا الحدث فى الأشخاص والأسر ودوائر الأصدقاء، بشكل يتجاوز تأثيرات الحروب والكوارث الكبرى.
لن تتوقف هذه الآثار فقط على السياسة والاقتصاد، لكن على الأفراد حيث فقد ما يقرب من 250 مليونا فى العالم وظائفهم، وما تزال التأثيرات مستمرة، أما عن السياسة فقد كان للفيروس أثر مباشر فى الانتخابات الأمريكية، وساهم فى خسارة «ترامب»، بجانب عوامل أخرى، فضلا عن مظاهرات واحتجاجات فى دول أوروبية ليست بعيدة عن تداعيات الفيروس، ولا تزال هذه التأثيرات ترسم خرائط التحولات، ويتوقع أن تستمر التفاعلات وتترك آثارها على الدول. ويبقى التأثير الأكبر على الأفراد داخليا وخارجيا، وهو تغيير يتعلق بفيزياء البشر.