مبكرا جدا، أشرنا إلى أن السياسة والمنافسة التجارية، وليس العلم، هما اللتان تحكمان الكثير من سلوكيات الدول تجاه اللقاحات المضادة لكورونا، ففى نوفمبر الماضى، أعلنت روسيا توصلها إلى أول لقاح مضاد لفيروس كورونا، «سبوتنيك V»، وأعلن وزير الصحة الروسى ميخائيل موراشكو، إطلاق الإنتاج الصناعى للقاح وبدء توزيعه عبر الأقاليم الروسية، بعد المرحلة الثالثة للتجارب، وأنه حقق فاعلية بنسبة 92%، وتبعه اللقاح الصينى «سينوفارم».
لكن اللقاحين الروسى والصينى قوبلا بمزيج من التجاهل والتشكيك من قبل الأوروبيين، الذين مهدوا لقرب إنتاج لقاحى «فايزر» و«أسترازينكا»، حيث اتهم الأوربيون روسيا بأنها لم تعتمد الشفافية بشأن لقاح «سبوتنيك»، وهى آراء لم تكن تستند إلى تجارب أو تقارير ومعلومات طبية.
اللافت أن الشكوك انتقلت إلى بعض العاملين بالمجالات الطبية ممن اعتادوا التأمين على كلام الإعلام الأوروبى، شككوا فى اللقاح الروسى، ومعهم بعض مستخدمى مواقع التواصل لدينا، ممن التقطوا الأمر، ورددوا ما ورد فى الصحف والإعلام الغربى تجاه اللقاحات وبعضهم تورط فى إطلاق إحكام على اللقاح الروسى.
كان واضحا أن تعامل أوروبا مع لقاح «سبوتنيك» يتجاوز العلم ليدخل ضمن المنافسة السياسية والتجارية، وهو ما كشفته دراسة مجلة «ذى لا نسيت»، الطبية الشهيرة، فى دراسة نشرتها بناء على تجارب وشهادات لخبراء مستقلين، مفادها أن لقاح «سبوتنيك» الروسى فعال بنسبة 91.6% ضد «كوفيد - 19» المصحوب بعوارض.
وقال إخصائيان بريطانيان، هما البروفسور إيان جونز، وبولى روى، فى تعليق مشترك، ورد فى دراسة «ذى لانسيت»: «إن تطوير لقاح سبوتنيك V واجه انتقادات بسبب سرعته، ولأنه أحرق مراحل ولغياب الشفافية، لكن النتائج الواردة واضحة وتمت برهنة المبدأ العلمى الذى يقوم عليه»، وأضاف الباحثان اللذان لم يشاركا فى الدراسة: «هذا يعنى أن لقاحا إضافيا يمكن أن ينضم الآن إلى المعركة لخفض انتشار كوفيد - 19»، هذه النتائج الأولى التى جرت المصادقة على فاعليتها تتوافق مع تأكيدات روسيا التى تلقاها المجتمع العلمى الدولى بارتياب فى الخريف الماضى.
مجلة «ذى لانسيت» هى مجلة طبية عامة، وتعد من أقدم وأشهر المجلات الدورية الطبية، وواحدة من أبرز وأكثر المجلات تميزا فى العالم، وبالتالى فإن هذه النتائج تضع «سبوتنيك»، بين اللقاحات الأكثر فاعلية، إلى جانب لقاحى «فايزر بايونتيك» و«موديرنا 95% تقريبا»، اللذين أعدا باستخدام تقنية مختلفة تقوم على الحمض النووى الريبى المرسال.
وبدأت ترتفع أصوات فى أوروبا، لتقوم وكالة الأدوية الأوروبية بتقييم سريع للقاح «سبوتنيك» المستخدم أساسا فى روسيا وبعض الدول بينها الأرجنتين والجزائر.
والنتائج التى نشرت فى «ذى لانسيت» مصدرها آخر مرحلة من التجارب السريرية للقاح، وهى المرحلة الثالثة التى شارك فيها نحو 20 ألف شخص، كما هى الحال دائما فى مثل هذه الحالات، تأتى هذه النتائج من الفريق الذى طور اللقاح، ثم أجرى التجارب ثم تعرض على علماء مستقلين آخرين قبل النشر، وأظهرت أن «سبوتنيك V» يخفض بنسبة 91.6% الإصابة بنوع من عوارض «كوفيد - 19»،
الشاهد فى هذا، أن هناك بعض الآراء ترتدى رداء علميا، بينما هى سياسية، أو تجارية، فلم يكن الأوروبيون يريدون الاعتراف بأن روسيا، أو الصين، توصلت إلى اللقاح قبلهم، لكنهم اعترفوا فى النهاية، والدرس لمن يدعون العلم أو المعرفة ويرددون كلاما هو مجرد سياسة، لا علاقة له بالعلم ولا بالفيروسات، وتأكيدا لما نشره خبراء أن كل اللقاحات تخضع لدراسات وتجارب، بعد استخدامها على أعداد كبيرة.