تتسم حضارة هذا العصر بقفزات تكنولوجية مذهلة في جميع المجاملات، خاصة، تكنولوجيا المعلومات الإلكترونية، ولقد حذر الفقه الفرنسي منذ بداية سبعينيات القرن الماضي من إساءة استخدام وسائل التكنولوجية الحديثة، وأعلن بعضهم أنها قنبلة مؤقوتة سوف تنفجر في أي لحظة، فتفقد الإنسان حرماته وتهتك أسراره، وستضحي وسيلة لإهدار كرامته، بل ابتزازه.
كما رأى البعض الآخر أن تلك الوسائل تعد نكسة للتقدم المذهل للتقنيات الحديثة، ومع بداية القرن الحالي وظهور شبكة الإنترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وما أحدثته من طفرة رهيبة في التواصل بين بني البشر من كافة بقاع الأرض والحصول على المعلومات والبيانات بسهولة ويسر، تخوف جانب من الفقه المصري من أن يتحول الإنترنت من نعمة إلى نقمة، وأن يكبل الإنسان بمزيد من قيود العبودية بدلا من منحه قدرا أكثر من الحرية.
الحماية الجنائية لصور النساء من خطر تطبيق "Deepnude
"في التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية الحماية الجنائية لصور النساء على الإنترنت من خطر تطبيق "deepnude" لتعرية النساء، خاصة بعد صدق هذه التخوفات، فمثلا في 23 من يونيو 2019 استيقظت الجماعة الدولية على حدث هزها من الأعماق وما كان له بقرين، إذ فتحت عينيها على تطبيق "deepnude" لتعرية النساء عبر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهو تطبيق يمكن تحميله من متجر Google play على أجهزة تعمل بأكثر من نظام، ويسمح هذا التطبيق لأى شخص بتحميل صورة لأى امرأة وإنشاء صورة عارية على غرارها عبر استخدام تكنولوجيا الذكاء الصناعي والتي تعتمد على حلول حسابية دقيقة، لتظهر الصور العارية للسيدات أقرب ما تكون للحقيقة، مما يصعب اكتشاف الصور العارية المزيفة، وما إذا كانت الصورة حقيقية أم لا – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية يعتمد هذا التطبيق فى المقام الأول على تخيل شكل الأجزاء الحساسة للسيدات وتعريتهن عن طريق صور الوجه العادية وبصورة دقيقة، بمعنى أنه يحول صورة حقيقية لصورة خادعة مزيفة، ويتضمن التطبيق نسخة مجانية لعمل صور عارية للسيدات، ولكن مع وضع علامة مائية كبيرة عليها يمكن إزالتها متى دفع المستخدم دفع 50 دولارًا مقابل النسخة الكاملة من التطبيق، ويعتمد التطبيق على حلول حسابية دقيقة باسم (pix2pix) التى طورتها جامعة كاليفورنيا لإنتاج الصور، بحيث يتم ربط صور السيدات عبر نحو آلاف صورة عارية للسيدات، على أن يتم عمل الصور العارية وفقا لحسابات أبعاد الأجزاء الظاهرة فى الصور الأصلية للسيدات، وإظهار باقى الأجزاء الحساسة لجسد المرأة عبر توقعها وفقا لبرامج حسابية دقيقة وبإدخال أكثر من صورة للسيدة يمكن عمل أكثر من صورة عارية لها وبدرجة دقيقة – وفقا لـ"فاروق".
تعرية النساء دون إرادتهن
ونظرا لما ثار من جدل حول العالم من مخاطر استخدام هذا التطبيق وفتح الباب على مصرعيه أمام نوع من التضليل عبر تعرية الكثير من السيدات وابتزازهن، وما يتبع ذلك من فضائح وممارسات غير أخلاقية، لجأ مبتكر التطبيق خشية الملاحقة القانونية إلى خدعة من خلال وضع ختم على الصور العارية للسيدات التي تمت صناعتها للتطبيق تحمل شعار – fake – على كل صورة، ولكن بالطبع من السهل على مستعمل التطبيق محوها، كما زعم مبتكر التطبيق أن الغرض الأساسي التطبيق لا يهدف لتعرية النساء وفضحهن وإلحاق الأذى بهن، وإنما تجربة إمكانات التكنولوجيا.
وعلى الرغم من أن شركة جوجل هرعت لإزالة التطبيق من كافة المواقع الإلكترونية لضرره على الناحية الأخلاقية، إلا أن المشكلة لم تحسم بعد إذ إن التطبيق لا يزال موجوداً ويتم تطويره، وقد يتم عرضه في أي وقت بما يعد نوعا من اضطهاد المرأة من خلال مشاركة صور للسيدات بعد تعريتهن دون إرادتهن على نطاق واسع إلى حد لا يمكن السيطرة عليه، خاصة مع عدد الزيارات الرهيب على التطبيق من أشخاص مرضى غربت عنهم شمس الممارسة الفعلية للجنس، فاختاروا العمل فيه كمتفرجين وليس كممثلين من خلال خيالهم المريض، خاصة أنه لا يزال يتم تطوير التطبيق وتحاول العديد من المواقع إعادة طرحه تحت ستار ترفيهي.
التشريعات العربية تعاقب على التقاط صورة شخص حقيقية فقط
ولقد زاد من خطورة هذا التطبيق خلو معظم التشريعات الجنائية المعاصرة لاسيما العربية من نص عقابي رادع يكون بمثابة إنذار لمن تسول له نفسه استخدام التطبيق، إذ معظم تلك التشريعات تعاقب فحسب على التقاط صورة شخص حقيقية في مكان خاص دون رضاه أو استعمالها أو نشرها دون أن يدخل تحريف فيها، كما أن هذا الفعل لا يعد تزوير بوضع صور أشخاص آخرين مزورة، إذ لا يوجد محرر، ولهذا فإنه من الإنصاف أن نشيد بموقف المشرع المصري الذي رصد عقاب رادع لهذا السلوك المرضي في القانون رقم 175 لسنة 2018 المتعلق بجرائم تقنية المعلومات، إذ كفلت المادة 16 من هذا القانون حماية فعاله لصور الأشخاص المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فحظرت اعتراضها لمجرد نسخها أو تسجيلها وجعله جنحة عقوبتها الحبس التي لا تقل عن سنة ولا تزيد على 3 سنوات وغرامة مالية كبيرة أو أحد العقوبتين – الكلام لـ"فاروق".
المشرع المصرى عاقب مرتكب الجريمة بالحبس وغرامة لا تجاوز 250 ألف جنيه
إذ نصت المادة 16 من قانون جرائم تقنية المعلومات على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 250 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعترض بدون وجه حق أي معلومات أو بيانات أو كل ما هو متداول عن طريق شبكة معلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي وما في حكمها، "ويندرج تحت لواء البيانات صور الأشخاص، إذ نصت المادة الأولى من ذات القانون على أن تشمل البيانات والمعلومات معالجته أو تخليقه أو نقله أو مشاركته أو نسخه، بواسطة تقنية المعلومات كالصور، كما عاقب المشرع في ذات القانون بمقتضى المادة 25 تحت عنوان الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمه الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما فى حكمها، تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة بما يسمح بإدراج صور الفتيات المعالجة إلكترونيا بعد تعريتها تحت لواء هذا النص ليس فحسب لأن تلك الصور المفبركة تنتهك القيم الأسرية في المجتمع، وإنما أيضا لأنها تنتهك خصوصية الفتيات حال كونها غير صحيحة.
وتيسيرا لإثبات تلك الجرائم نصت المادة الثانية من قانون جرائم تقنية المعلومات علي أن يلتزم مقدم الخدمة بحفظ وتخزين سجل النظام المعلوماتي أو أي وسيلة لتقنية المعلومات لمدة 180 يوما متصلة، وتتمثل البيانات الواجب حفظها وتخزينها هي البيانات التي تمكن من التعرف على مستخدم الخدمة والبيانات المتعلقة بمحتوى ومضمون النظام المعلوماتي المتعامل متى كانت تحت سيطرته والبيانات المتعلقة بحركة الاتصال والبيانات المتعلقة بالأجهزة الطرفية، وأيضا يلتزم مقدم الخدمة بالإفصاح عن هذه البيانات بأمر مسبب من إحدى الجهات القضائية المختصة، ويشمل ذلك البيانات الشخصية لأى من مستخدمي خدمته أو أي بيانات أو معلومات متعلقة بالمواقع والحسابات الخاصة التي يدخل عليها هؤلاء المستخدمون، أو الأشخاص والجهات التي يتواصلون.