هناك تحولات فى الكثير من الملفات بالشرق الأوسط، ومن حولنا، وهى تغيرات تأتى نتيجة لعمل سنوات سابقة، ظلت خلالها مصر تتحرك بدبلوماسية، وصبر وهدوء ومن دون تجاهل لملف دون آخر، وفى حين راهنت بعض الدول والأجهزة على تنظيمات إرهابية، أو ميليشيات أو تدخلات خارجية، ظلت مصر تتمسك بسياسة واضحة، دعم الدولة الوطنية، ومواجهة التدخلات الخارجية، مع خطوط حمراء لأمنها القومى، اليوم تتجه ليبيا إلى الحل السياسى، بعد شهور بذلت فيها مصر جهدها لدى كل الأطراف، بل أقنعت الأطراف الدولية بأن الاستقرار يضمن الأمن العالمى والإقليمى، ومعه مصالح الدول.
كل من يتابع التحولات فى ملفات السياسة والصراع فى المنطقة، سوف يلمح بالفعل «تغيرات كيفية» فى ملفات كانت تبدو عصية على الفهم، والحل وسط اختلالات، وكان من الصعب على أى متابع للشأن العام، أن ينظر إلى ما يجرى فى مصر بعيدا عما يجرى من حولها فى الشرق والغرب والجنوب، مصر ظلت طرفا فاعلا ومتفاعلا بحكم الجغرافيا والتاريخ والموقع، من دون أن تتخلى عن استراتيجيتها فى التنمية وعدم التدخل فى أى نزاع، مع دعم وحدة الدول المجاورة، وأن يكون كل شعب طرفا أساسيا فى حل مشكلاته ومواجهة مستقبله.
اليوم تبدو هناك تغيرات فى الكثير من الملفات فى الإقليم، ليبيا تتجه إلى الحل السياسى، بناء على رؤية مصرية ثابتة، وهى أن ليبيا لشعبها، وهو وحده القادر على إدارتها، وهو الحل الذى يستلزم إبعاد القوى الخارجية.
واجهت مصر إرهابا مدعوما بالمال والدعاية واللجان من كل اتجاه، أدى إلى إسقاط دول، ونشر الفوضى فى دول أخرى، واختارت مصر طريقا صعبا، وهو مواجهة الإرهاب، وفى الوقت ذاته استمرار جهود التنمية، وإقليميا لم تتجاهل مصر أن الأمن القومى المصرى يمتد فى كل الاتجاهات، بما يفرض على القاهرة أن تكون متيقظة لما يجرى، ودفعت دائما إلى أهمية الحل الذاتى، وإيقاف التدخلات الخارجية ومواجهة الدول التى تمول وترعى الإرهاب.
حرصت مصر على رسم حدود أمنها القومى، استنادا إلى وحدة وقوة الدولة الوطنية باعتبارهما أساسىّ الاستقرار والتنمية، وموقف ثابت تجاه القضايا العربية والإقليمية والدولية، أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن مصر لا تتدخل فى شؤون الدول الأخرى، وترى أن رسم السياسات المتعددة من شأن شعبها، وفى الوقت ذاته تحمى أمنها القومى، ولا تسمح بأى تحركات من شأنها أن تخل بالاستقرار فى المنطقة.
تركزت رؤية مصر، فى أن عودة الاستقرار مرة أخرى للإقليم العربى مصلحة للجميع، لأنه يوفر الفرصة للتنمية والتراكم فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، بالشكل الذى يسهل البناء على ما سبق، بينما التفرغ لمواجهة الإرهاب فقط يخل بالقدرة على البناء المستمر.
فى ديسمبر 2019، تحدث الرئيس السيسى فى منتدى الشباب بشرم الشيخ، عن الأحداث التى شهدتها المنطقة خلال عشر سنوات أوجدت حالة من عدم التوازن الأمنى فى الإقليم، أن المنطقة العربية أصبحت تعانى من تسلسل أزمات، وجدد تأكيده على أنه لا بديل عن استعادة الدولة الوطنية مكانتها.
لقد تحركت مصر بدبلوماسية ثابتة تجاه كل الملفات، بخطوط حمراء لأمنها القومى، وصبر فى الكثير من الملفات، ومنها ملف سد النهضة، وانتبهت مصر إلى جهات وأطراف سعت لتشتيت الانتباه. وظلت تتعامل مع كل الملفات بنفس الترتيب واليقظة، واليوم بينما تتجه ليبيا إلى الحل، وتتوافق مصر والسودان تجاه أزمة سد النهضة لوضع حد لحل دائم يضمن مصالح جميع الأطراف، تؤكد صحة الرؤية المصرية، فى منطقة مشتعلة كادت تحترف فى صراع لا نهائى.
المنطقة من حولنا تواجه تحولات واسعة، فى شكل ومضمون السلطة بالعالم، فى ظل ثورة معلوماتية وتكنولوجية، وحروب دعاية تتوازى مع حروب السلاح، وترتبط بأشكال جديدة لا يمكن تجاهلها، أو إنكارها تتداخل معها أجهزة الإعلام الإقليمية والدولية، ومواقع التواصل، وتتضمن بجانب الحرب التقليدية، تحركات افتراضية لا تقل خطرا عما يدور على الأرض.
لقد راهنت مصر على قوتها الدبلوماسية والسياسية، فى حين خسرت الدول التى راهنت على الإرهاب أو التدخل الخارجى.