رحم الله الحاجة زينب مصطفى التي رثاها الرئيس السيسى بنفسه بكلمات حزينة مبكية بعد أن اعتبرها نموذجا للشخصية الوطنية وهى بالفعل تستحق وأكثر.. فعلى الرغم من كبرها في السن ووجودها بعيدا عن القاهرة وضوضاءها وزخمها وبريقها والنخب الاجتماعية والسياسية والثقافية فيها، الا أنها أصبحت بين ليلة وضحاها حديث الساعة بين المصريين في البيوت والمجالس ووسائل الاعلام بموقف وطني بسيط من أم وسيدة مصرية تنتمي لملايين البسطاء في هذا الشعب النبيل من المصريين – ملح هذا الوطن- بعد إعلانها تبرعها بقرطها – أو حلقها كما نطلق عليه في اللغة الدارجة- لصندوق " تحيا مصر" الذى كان الرئيس قد أطلقه لجمع التبرعات للمشروعات الوطنية.
منذ الوهلة الأولى لإطلالتها عبر شاشات التليفزيون أثناء لقاء الرئيس بها لم يكن وجهها الطيب البشوش الوضاء غريبا على أحد، وجه مصري أصيل لأم أو جدة في كل بيت في الريف أو الصعيد، هي " الوتد" الذى يدافع عن قوام الاسرة ويحافظ على قوتها وتماسكها ووحدتها من الانفراط والضياع..هى الجدة التي يتحلق حولها أفراد العائلة الكبير والصغير، حامية الحصن والخيمة من عواصف وأنواء الزمن الاجتماعية. مثل الأشجار لا تموت الا واقفة.
الحاجة زينب مصطفى هي " فاطمة تعلبة" التي رسمها روائيا ودراميا باتقان وحرفية شديدة العم خيرى شلبي في روايته الشهيرة " الوتد" لنموذج الأم القوية في حنان ورقة وكبيرة العائلة التى تدير شئون بيتها كأنها دولتها ...دولة " فاطمة تعلبة" وعالمها الصعير.. لا تتوقف إدارتها له عند الحدود- حدود البيت بما يحوى من أبناء وزوجاتهن- ، بل كانت تدير حتى النفس الذى يتنفسه أبناؤها، فهى تباشر تجارتهم وأراضيهم وبيوتهم وزوجاتهم وعلاقاتهم الأسرية وعلاقتهم كأخوة ببعضهم، قسمت بينهم الأدوار فشكلوا دولة فى بيت صغير، هذا يباشر الزراعة، وهذا يهتم بشئون التجارة وغيرهما يشغله العلاقات الخارجية وآخر مسئول عن غذاء العائلة، فكونت بهم فريقا يعتمد كل منهم على الآخر ويكمل كل منهم الآخر فصاروا قوة أمام العالم لا يمكن هزيمته، حتى انكسرت هذه السيدة متناهية القوة أمام عصيان أحد أبنائها لها ومحاولته الفرار من مسئوليته تجاه البيت، فلم تقاوم ومرضت،
رثاء الرئيس يوم الجمعة الماضية الحاجة زينب أعاد للذاكرة صورتها مع الرئيس وصوتها الرقيق الذي يختزل صوت مصر وهى تدعو لابنها -الرئيس – وهى تطالبه بقبول قرطها " ربنا ينصرك على من يعاديك ويحميك من كل المجرمين.. ربنا معاك ويحفظك من كل شر". المشهد لم تحتمله مشاعر المصريين البسطاء فانحدرت الدموع فرحا بهذه السيدة وهذه الام الوتد التي أدركت بحسها الفطري أن مصر في حاجة الى كل شخص ..مصر تنادي الجميع وتناديها فلبت النداء بكل ما تملك وهى السيدة التي بلغت من العمر 92 عاما وقتها.
اللقاء بين الرئيس والحاجة زينب كان صورة بليغة ومعبرة عن مصر الحقيقية...مصر أم البسطاء من الفلاحين والعمال والموظفين جنودها وقت الشدة ووقت الوجع والألم..
ورسمت قبلة الرئيس على رأس الحاجة زينب صورة أو منحوتة رمزية آخرى كأنها نحت جديد لمحمود مختار لمصر التضحية والعطاء والوفاء.
رحلت الحاجة زينب مصطفى الملاح، ابنة قرية منية سندوب التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، عن عمر 98 عاما بعد رحلة عطاء وتضحية لوطنها الصغير والكبير عشقت فيها مصر ولم تتمنى شيئا سوى ألا ترى بلدها تتوجع أو تعاني خطرا. وكانت آخر وصاياها لأبنائها «خلوا بالكم على البلد يا ولاد»..ويأتى الرثاء والنعي الرئاسي مؤثرا "رحم الله الحاجة زينب وغفر لها، فقد كانت خير نموذج للمرأة المصرية وما تقدمه طوال الوقت من دروس وعبر في التجرد والتضحية بأغلى ما لديها فداء لوطنها".