مهرجان أغورا الدولي للسينما والفلسفة، من المهرجانات السينمائية التي طالتها تأثيرات وباء كورونا، فالمهرجان الذي يقام في مدينة فاس المغربية اختار البث الافتراضي لدورته الخامسة التي عقدت في ديسمبر الماضي، بينما سلم مدير المهرجان د. عزيز الحدادي جائزته الكبرى بالأمس للمخرج المغربي محمد اليونسي عن فيلمه "دقات القدر"، الفائز بجائزة ابن رشد الكبرى مناصفة مع الفيلم الإيطالي فانيتاس، وفق لجنة التحكيم التي ترأسها الفيلسوف والناقد السينمائي الإيطالي ألفونسو ياكونو، بعضوية كل من الفلاسفة: مانويلا باسكي، ألبيرتو بينيتي، حكيم بناني، والناقدين السينمائيين محمد البوعيادي وكاميليا كتابريتي.
ربما يبدو من البديهي التواصل إليكترونياً في إطار التحولات السريعة وظهور تحديات جديدة في مجال الأنشطة عموماً، يترتب عليها صعوبة التلاقي، لكن الحقيقة الساطعة أنه لا يوجد بلد عربي يملك مهرجانات سينمائية كثيرة مثل المغرب، لديهم دأب مستمر ومواظبة على الأنشطة الخاصة بالفيلم، ربما تكون تأثرت اليوم بسبب وباء كورونا الذي عطل العالم بأكمله، لكن ثمة مقاومة تناوش وتتصدى الخفوت بدوام النشاط ومواصلة العناوين المختلفة لمهرجانات تتسع جغرافياً بشكل لافت، فيتحول السؤال المعتاد: هل يحتاج المغرب لهذه الكثرة في المهرجانات السينمائية؟ إلى سؤال أخر: هل يدوم الحماس لهذا الحضور السينمائي بالرغم من الظروف الكوني الصعب؟
الإجابة: نعم. لأن المهرجانات سبيل مهم للفرجة الجماعية والمناقشة والتعلم، حتى لو كانت نخبوية في جزء منها، سواء في موضوعها وعنوانها أو أفلامها المختارة أو ندواتها وفعالياتها عموماً، من جهة أخرى فإن المحاولات المثابرة لإقامة المهرجانات هنا أو هناك، سواء في الواقع أو في الفضاء الإليكتروني لن يختلف إثنان على إنها تحريك يثري الذائقة وينشر الثقافة السينمائية.
إذن. فالإصرار على الحضور هو نوع من مقاومة الموت، حسب تعبير د. عزيز الحدادي، شارحاً الوظيفة الحقيقية لمهرجانه المثير للدهشة والتساؤلات بداية من عنوانه الذي يطرح نفسه كعنوان نخبوي، أغورا (Agora) تحديداً نسبة إلى ساحة في أثينا القديمة، كانت تجمع أطياف المجتمع الإغريقي القديم وتُثار فيها كل القضايا الجدلية، وعلى هذا الأساس يحمل المهرجان نفس التيمة والدلالة، بحيث يصبح ما يطمح إليه القائمون عليه من تقديم الفن، وليس الاتجار به، وأن رؤيته للفن أنه الابن الشرعي للتراجيدية اليونانية التي توحد جمهورها.
ومن هذا المنطلق فإن الأفلام المشاركة متنوعة، ومن بلدان مختلفة (المغرب، إيطاليا، بلجيكا)، وكذلك مداخلاته هي بمثابة استشكالات فلسفية للأفلام، استندت إلى تصورات وأطروحات بارزة في فلسفة الجمال؛ ما يعني أن المهرجان يسعى إلى إيصال الوعي الجمالي إلى الجماهير، مستخدماً السينما كوسيلة جماهيرية يمكن أن توقظ الروح من ثباتها.
باختصار يحقق مهرجان أغورا هذا الاندماج بين الجدل الفكري والفيلم السينمائي، موضوعاً وصورة، معتمداً المضمون الفكري والفلسفي للفيلم، كنوع تفلسف السينما أو التفلسف مع السينما، حسب تعبير الناقد المغربي أحمد سيجلماسي، الذي يؤكد بأنه لا يمكن تصور جمالية السينما وقضاياها بمعزل عن خلفيتها الفلسفية.
يبقى أن هذه النوعية من التظاهرات والتفاعلات الثقافية مهمة، تنبع ضروريتها من الرمز والإمكانية الكامنين فيها، والتي تحولها من مجرد رقم في أجندة الأنشطة إلى ديالوج بين أهل الصناعة وجمهورها، مساحة ضوء تعم على الجميع وتحقق مجداً ما للسينما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة