"الإهمال القاتل"، هو الفيروس الأخطر الذي يفتك بأرواح المواطنين، وربما يكون أكثر شراسة من كورونا، عندما تنام الضمائر، ولا يلقي الشخص بالًا بعواقب الأمور، فيتسبب بأفعاله في الحاق الضرر بالآخرين.
المدقق النظر في بيان "النيابة العامة" الأخير، حول حادث قطاري طهطا ـ والتي بذلت جهودًا خرافية في التحقيقات ـ يلحظ مدى الإهمال القاتل الذي تسبب فيه بعض الموظفين في حصد أرواح الأبرياء، ما بين رئيس قسم المراقبة المركزية بأسيوط الذي ترك مقر عمله وقت وقوع الحادث، بالرغم من مسئولية هذا القسم عن مراقبة حركة القطارات بموقع التصادم، وسائق القطار الإسباني ومساعده، بعدما أسفرت مشاهدة النيابة العامة لتسجيلات آلات المراقبة بمحطة سوهاج الكائنة قبل محل الحادث يوم وقوعه عن جلوس مساعد سائق القطار الإسباني بمقعد القيادة، واستلامه بدلًا عن السائق النموذج 67 حركة، الصادر من المحطة، والثابت فيه السرعة المقررة بمنطقة الحادث والتي كانت لا تجاوز تسعين كيلومترًا في الساعة، فتحفظت النيابة العامة على النموذج وتبينت فيه الإمضاء باسم السائق بما يفيد الاستلام، فاستكتبت السائق ومساعده على هذا الإمضاء وأثبت تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بـمصلحة الطب الشرعي كتابة المساعد الإمضاء بدلًا من السائق، وبمواجهة الاثنين بتلك النتيجة أقرا بواقعة التزوير.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما أسفرت نتائج تحليل تعاطي المواد المخدرة الصادرة من وزارة الصحة عن تعاطي كل من مراقب برج محطة "المراغة" الحشيش، وتعاطي مساعد سائق القطار المميز ذات الجوهر وعقار الترامادول".
هذا الإهمال القاتل، يتكرر يوميًا في بعض مواقع العمل، عندما يطلب موظف من زميله التوقيع له بالحضور بدلًا منه، وعندما يتأخر البعض عمدًا عن الحضور لمكاتبهم فيعطلون مصالح غيرهم، وربما يكون الأمر مسألة حياة أو موت للآخرين.
الإهمال القاتل الذي تجسد في تعاطي موظفين بالسكة الحديد المخدرات، مما يغيب الوعي، ويجعل الشخص غير مدرك لبعض أفعاله، يتكرر أيضًا مع سائقي بعض سيارات الأجرة، الذين يتعاطون المخدرات ويتلاعبون بحياة المواطنين في الطرقات.
الأمر يحتاج لـ"ضمير"، أكثر من حاجته لتشديد العقوبات، نعم، "ضمير الموظف" الذي يوقظه وينبهه بخطورة تعاطيه المخدرات، وخطورة تأخيره عن عمله، وخطورة إمضاء زميله له بالحضور بدلًا منه، فربما يتسبب ذلك في حصد حياة الأبرياء مثلما حدث في قطاري طهطا.