إن اتباع منهج الشريعة الإسلامية فى ترشيد الاستهلاك من شأنه أن يوجد نوعا من الرعاية والاهتمام بالآخرين، ذلك أن الإنسان لا يراعى الآخرين ولا يهتم بهم غالبا، إلا إذا أضناه التعب والتزم بالرشد فى السلوك، فهنا يراعى المرء فى إنفاقه واستهلاكه جيرانه وأقاربه، فيكف عن رغباته الاستهلاكية رفقا بهم، ويضعهم فى حسبانه.
ولا شك أنه مما يزيد بؤس البائسين، ويضاعف من آلام حرمانهم أن يروا جيرانهم يسرفون فى الاستمتاع بطيبات الحياة، بل يلقون فى سلات المهملات ما يكفى هؤلاء الجيران، ويقيم أودهم دون أن يلتفتوا إلى حاجاتهم وحرمانهم، وهنا تمتلئ قلوب المحرومين حقدا وضغنا على المترفين المسرفين، ويظهر ما يسمى بالنظام الطبقى.
وهذا ما نهى الإسلام عنه، وأمر بالتواصل بين الجيران والأقارب، بل والمواساة بالأموال.
ولقد روى أن عمر بن عبدالعزيز، علم أن ابنه اشترى خاتما فصه بألف درهم، فكتب إليه مستنكرا: «بلغنى أنك اشتريت خاتما فصه بألف درهم، فإذا جاءك كتابى هذا، فبعه وأطعم بثمنه ألف جائع، واشتر خاتما فصه من حديد بدرهم، واكتب عليه: «رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه».
فالنهى الذى جاءت به الشريعة عن الإسراف والتبذير والترف من شأنه أن يحقق توازنا اجتماعيا بين كل طبقات المجتمع، فتختفى الظواهر السلبية من المجتمع، ويقضى على التسابق المحموم فى الشراء، والحصول على السلعة بأى ثمن، ويكون التفاخر بشراء غالى الثمن ولو لذات الشراء أمرا بغيضا ينهى عنه الإسلام، وهذا يحقق التوازن الاجتماعى والهدوء النفسى مما يسهم فى تحقيق التنمية الاجتماعية.
وكذلك يؤدى ترشيد الاستهلاك إلى تنمية صحية كبيرة، فالإسلام ينهى عن الإسراف فى الطعام والشراب، لأن الإسراف فى الأكل أو الشرب من شأنه أن يؤدى إلى أمراض كثيرة تلحق الإنسان الحريص على امتلاء بطنه دون أى اعتبارات.
والإسلام يريد مؤمنا قويا يعتمد عليه فى نشر دعوته، وتحقيق نصرته، والقوة تعنى قوة الجسد وسلامته من الأمراض، وقدرته على الحركة وتحمل المشاق والصعاب.
ولذا تضافرت نصوص القرآن والسنة لحماية المسلم من نفسه بتقييد شهوته فى المأكل والمشرب، لأن إطلاق شهوة الإنسان فيها يفضى به إلى التخمة والسمنة وأمراض المعدة والهضم، وهى أمور كرهها الإسلام، فيروى عمران بن حصين عن النَّبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتى من بعدهم قوم يتسمنون ويحبون السِّمن...».
والسمنة المفرطة تعتبر سببا لكثير من الأمراض المعاصرة، فضلا عما يترتب عليها من ضياع قوة المؤمن وعجزه عن الأعمال التى تقتضى السرعة فى الحركة ومرونة البدن، ويحل محلها الوهن والكسل والترهل.
كذلك ينهى الإسلام عن الإسراف فى العبادة إذا ما ترتب عليها ضعف البدن، كصيام النهار وقيام الليل، لما فى المبالغة فى العبادة من جور على حق البدن.
ولهذا أنكر النبى صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه مغالاتهم فى العبادة فردهم إلى منهج الاعتدال، ويبين أن قوة البدن والبنيان أمر يطلبه الشارع كالعبادة، فالمؤمن لا ينتج إلا إذا كان قادرا على الإنتاج قويا.
كذلك يستهدف الإسلام المحافظة على صحة الإنسان بنهيه عن الإنفاق على المحرمات المهلكة بالبدن، فهو يحرم عليه شرب الخمر، ومن أجل ذلك يحرم عليه بيعها وشراؤها، كما يحرم عليه أكل الميتة والخنزير وسائر الأمور المضرة ببدن الإنسان، وبالتالى أرشده إلى ترك الإنفاق على مثل هذه المحرمات، التى من شأنها إلحاق الضرر بالإنسان.
وهذا إن دل فإنما يدل على اهتمام الإسلام بالجانب الصحى للإنسان، ولا شك أنه يسهم فى تحقيق التنمية الصحية، التى تعتبر من أهم الدعائم التى تقوم عليها التنمية الاقتصادية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة