استكمالا لملف التبرعات والجمعيات الأهلية.. هذه الجمعيات وجودها ضروريا، وكثيرا ما نتكلم عن أهمية الدور الذى تقوم به الجمعيات الأهلية فى المجتمع، مما يساهم فى دعم المؤسسات الصحية والاجتماعية والتعليمية.
لكن ما نراه سنويا فى رمضان أن هناك مشروعات ومبانى تظل فى كل سنة بلا أى تقدم، بالرغم من تدفق الملايين عليها، فلا نرى حجر أساس أو طوبة أو تجهيزا، وهو ما يذكرنا بعدد من جامعى التبرعات فى التسعينيات، كان الرجل يقف فى ميدان طلعت حرب بالميكروفون ويردد: «تبرعوا لبناء مسجد»، وتمر السنوات ولا يقوم المسجد، ونكتشف أن أغلب هذه الأموال تذهب إلى مصارف أخرى، ليس من أهدافها الخير، ويثرى من ورائها مليونيرات البيزنس الخيرى.
وللحق، هناك جمعيات أو مؤسسات تنفق على الدعاية وعلى أعمالها بنوع من التوازن، وفى المقابل، فإن بعض المؤسسات تجيد الدعاية ولا تفعل خيرا، وتدخل فى أنواع من التواطؤ وشبكات الفساد.
هناك بالفعل غياب للمعلومات عن حجم ما تستقبله كل جمعية من أموال، وتقدير الأمر يتناسب طرديا مع حجم الإعلانات والدعاية، التى تقوم بها هذه الجمعيات، وحسب نظرية التسويق الدعائى، فإن كل جنيه يصرف على الدعاية يعود بعشرة جنيهات، لكن هذه الجنيهات العشرة التى يدفعها المتبرع وفاعل الخير، بناء على تأثيرات الدعاية، لا تذهب منها سوى ثلاثة أو أقل للفقير أو المريض أو البناء القائم من سنوات لمركز أورام أو قلب.
بعض التقديرات تشير إلى أن الجمعيات الأهلية والخيرية تتلقى 8 مليارات جنيه سنويا، منها 2 مليار خلال شهر رمضان وحده، لكن تتوزع النسب على 29 ألف جمعية نشطة، وتجمع الجمعيات الخيرية أكثر من 80% من التبرعات السنوية خلال شهر رمضان، لرغبة الكثيرين فى إخراج الزكاة والتصدق، لكن المفارقة أن الجمعيات الشهيرة والمحترفة تنفق 200 - 300 مليون جنيه على الدعاية والإعلان، وإذا كان الجنيه يعود بعشرة، فإن هذه الجمعيات تجمع ما بين 2-3 مليارات جنيه خلال شهر رمضان فقط، ويرى المحترفون أن الدعاية ضرورية، وأن المؤسسات التى تعجز عن الدعاية لنفسها تفشل فى جمع أى أموال على عكس المحترفين الكبار.
ففى حين تنجح جمعيات شهيرة فى جمع المليارات، تعجز مؤسسات مثل، المعهد القومى للأورام أو أبوالريش وعشرات المستشفيات، عن جمع ولو واحد فى المائة مما يجمعه المحترفون الكبار، بالرغم من أن هذه المؤسسات تقدم خدمات مجانية بالفعل، أضعاف ما تقدمه مؤسسات الدعاية والاحتراف.
وهناك عشرات القصص عن الجمعيات الشهيرة المحترفة، التى تنجح فى استدرار عطف المواطنين وتفتح جيوبهم، لكن هذه الجمعيات لا تستجيب لطلبات كثيرة، وبينما تجمع الأموال بخطوط ساخنة، فهى فى الخدمات «باردة»، وهنا نحن أمام مفارقة، المجتمع بحاجة إلى دور الجمعيات الأهلية والتوسع فيها، لكن هذه الجمعيات تنفق فى الخير أقل من ربع ما يتبرع به المصريون، وتبالغ فى الإنفاق على الدعاية وترعى أفرادا وأنشطة لأهداف دعائية.
وبقدر ما يشعر المواطن بالغضب من حجم الدعايات، التى تنفق عليها الجمعيات، فهم يحتارون من شح هذه الجهات فى الإنفاق على المرضى أو الفقراء، أو استكمال مبان لم تضع طوبة طوال عشر سنوات وأكثر، والواقع أيضا أن المحترفين يبتكرون طرقا تسهل على المواطن التبرع بالخارج أو الداخل «خطوط ساخنة وطرق دفع إلكترونية»، بينما المؤسسات المحتاجة فعلا تعوم فوق بيروقراطية تعرقل تلقى التبرعات، مما يصرف المواطن إلى المحترفين.
كل هذه عناصر بحاجة إلى أن ندرسها، حتى يمكننا أن نصل لصيغ أهلية تصل فيها التبرعات أو أغلبها لمستحقيها، وليس لكبار المحترفين، وكأنهم يطبقون المثل«كذب مساوى ولا صدق منعكش».