من يتعمق فى قراءة القرآن الكريم، يرى صورًا وتعبيرات بلاغية جديرة بالتوقف، أمام هذا النص الإلهى البليغ، ومعجزة الله الكلامية التى جاء بها النبى محمد صلى الله عليه وسلم، ليرى الناس الهدى والفرقان ويهديهم من الظلمات إلى النور، فجاء كآية للناس بجلال كلماته وجمال مفرداته وعظمة بلاغته، ليظل "الفرقان" و"البيان" لدى الناس، قادر على جذب أسماعهم وأبصارهم، ويأسر قلوبهم.
وفى القرآن العديد من الآيات التى نزلت بلغة جميلة ووجيزة قادرة على التعبير الجمالى والتصوير الفنى، ومفردات كثيرة زينها الحسن والإبداع والإتقان، ومن تلك الآيات الجمالية التى جاءت فى القرآن: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48).
ونستند فى تفسيرنا إلى تفسير القرطبى، قوله تعالى: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا فيه مسألتان: الأولى: واصبر لحكم ربك قيل: لقضاء ربك فيما حملك من رسالته، وقيل: لبلائه فيما ابتلاك به من قومك، ثم نسخ بآية السيف.
الثانية: قوله تعالى: فإنك بأعيننا أى بمرأى ومنظر منا نرى ونسمع ما تقول وتفعل، وقيل: بحيث نراك ونحفظك ونحوطك ونحرسك ونرعاك، والمعنى واحد، ومنه قوله تعالى لموسى عليه السلام: ولتصنع على عينى أى بحفظى وحراستى وقد تقدم.
وقال الدكتور عبد المنعم سيد عبد العال فى كتابه (معجم الألفاظ العامية، ذات الحقيقة والأصول العربية): نقول فى دارجتنا: "أقضى لك حاجة كذا، على عينى ورأسي". أى سأقضيها فى فرح وامتنان، وعزم أكيد.
وأما قوله تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور: 48] فليست من هذا الباب، وإنما معناها كما قال الطبرى فى تفسيره: فإنك بمرأى منا، نراك، ونرى عملك، ونحن نحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين.
وكذلك قال النحاس فى (إعراب القرآن)، وقال تفسير الماوردى فى تفسيره: {فَإِنَّكَ بأَعْيُنِنَا} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: بعلمنا، قاله السدي، والثاني: بمرأى منا، حكاه ابن عيسى، والثالث: بحفظنا وحراستنا، ومنه قوله تعالى لموسى: {وَلتُصنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] بحفظى وحراستي، قاله الضحاك.