حدث كبير وعظيم، موكب نقل ملوك وملكات مصر إلى متحف الحضارة من المتحف المصرى بالتحرير.. كل التفاصيل تسلم بعضها وتصنع جمالا وتثير فرحا، وتم ترتيبه وإخراجه بشكل مبهر يليق بعظمة الحدث وقيمة مصر بحلقاتها التاريخية، الاحتفاء بالعظمة ممثلة فى ملوك وملكات مصر القديمة، هو تأكيد لهوية مصرية استطاعت أن تهضم كل العصور والأفكار لتنتج حضارتها الخاصة، والواقع أن الاحتفالية كلها تمت فى وقت دقيق، ووسط أحداث متعددة ألقت بظلالها ولا تزال على الحاضر، وكأنما نستمد قوتنا من مبادئ وحضارة الأجداد.
الهوية المصرية تكونت عبر عصور وآلاف السنين، لكنها استطاعت إعادة بناء نموذجها الخاص، وقيمها وأفكارها، والتى تظل قادرة على إثارة اهتمام العالم بشكل مبهر، وكان مشهد الرئيس المصرى وهو يستقبل بكل الاحترام ملوك وملكات صنعوا حلقات مهمة بالتاريخ المصرى، استثنائيا، ويحمل الكثير من الرموز، مثلما تواصل الحضارة المصرية إطلاق رموزها الخاصة، ولا تزال تحمل الكثير من الأسرار لم تبح بها من قبل، وما زالت بعض هذه التفاصيل مستمرة بحياة المصريين، رغم قرون طويلة، وأحداث وغزوات وحروب وتحرير وغيرها.
كل هؤلاء القادة صنعوا أمجادا لبلادهم، وبنوا الحضارة بمفهومها الشامل، والذى يمثل ميلادا وفجرا للضمير، المصريون القدماء أقاموا صروحا ومبانى ضخمة، لكنهم نظموا الزراعة والتجارة والطعام والشراب والفنون والتربية والعدالة والأخلاق، ولا تزال اللغة المصرية تتواصل عبر مئات وآلاف المفردات التى تعيش ويستخدمها المصريون، فقد أقاموا قيم التسامح والتنوع والتعدد والحرية.
هذه الرسائل يقدمها موكب نقل الملوك والملكات بعد قرون ليستقروا فى متحف الحضارة، والذى يضم حلقات التاريخ المتصلة ويتواصل مع عظمة الأهرام والمتحف الكبير ومتاحف ومعارض تؤكد قوة مصر الناعمة، الحضارة بجانب المبانى، فهى أيضا سلوك وطريقة حياة وبشر هم الذين يحملون الرسائل.
جاءت الاحتفالية معبرة عن الحضارة المصرية، وتم إعدادها بدقة وبراعة، يستحق كل من شارك فيها تحية، لأنه نجح فى إنتاج صورة تليق بالحدث.
المشهد مبهر، من ميدان التحرير والمتحف المصرى، إلى مسيرة نقل الملوك والملكات، التصوير المبهر، واختيار الموسيقى والأوركسترا والمطربين وكلمات الأغنية، التى جاءت باللغة المصرية من نص مكتوب للإلهة «إيزيس»، من جدار معبد فى الأقصر وتحولت إلى ترانيم قدمتها السوبرانو المصرية أميرة سليم، مع موسيقى أوركسترا القاهرة السيمفونى، ونجح المخرج عمرو عزيز فى ظهور الحفل بهذا الشكل الذى يليق بعظمة الحدث.
الاحتفال ومتحف الحضارة المصرية، هو تأكيد على تواصل حلقات التاريخ، ومدى التأثير الضخم لثقافة وقوة المصريين القدماء، بما يمثل قاعدة لبعث هذه القيم الحضارية، التى تقوم على العلم والتسامح والإنسان، والمزج بين الحياة بكل مباهجها، والموت بقدسيته، لتقوم حضارة كاملة قادرة على البقاء والتأثير بالرغم من مرور آلاف السنين.
الحدث كله، صنع مشهدا أسطوريا، انعكس فى صور بسيطة صنعت حدثا عظيما من الماضى للمستقبل.