مسجد الشيخ القبارى، أحد المساجد القديمة الذى يقع فى غرب الإسكندرية فى المنطقة التى تعرف باسم صاحبه منطقة القبارى، هو الشيخ الزاهد أبو القاسم محمد بن منصور بن يحيى المالكى السكندرى، والذى لقب بالقبارى نسبة إلى ثمرة «القبار أو الكبار» هى ثمرة نادرة، والتى كان يزرعها فى بستانه.
يتكون المسجد من ساحة كبيرة للصلاة تبلغ مساحتها 252 مترا مربعا، يحيط بها سور مرتفع يبلغ ارتفاعه ستة أمتار مبنى من الحجر المصقول، وتحيط بهذه الساحة من جانبيها مصليتان، الداخلية منهما تبلغ مساحتها 83 مترًا مربعًا والخارجية مساحتها 45 مترًا وللمسجد مدخلان رئيسيان، أحدهما يقع فى الجهة الشمالية منه ويؤدى إلى فناء كبير تبلغ مساحته 280 مترًا مربعًا ومدخل فى الجهة الغربية ويؤدى إلى فناء آخر تبلغ مساحته 228 مترًا مربعًا.
وتقع مئذنة الجامع فى الجهة المقابلة لحائط القبلة أى فى الجهة الشمالية، داخل السور، وتتكون المئذنة من دورتين رشيقتين يفصل بينهما شرفة للمؤذن تقوم على عدة صفوف من الدلايات البديعة الصنع وتنتهى المئذنة بعمود أسطوانى مفصص تعلوه خوصة أكبر منه، وترجع المئذنة إلى العمارة التى قام بها محمد سعيد باشا فى القرن التاسع عشر.
ويجاور المئذنة ضريح الشيخ القبارى الذى يقال إنه أقيم على الخلوة التى كانت بالبستان والتى دفن فيها الشيخ، والضريح يتكون من حجرة مربعة تغطيها قبة تقوم على رقبة بها ثمان نوافذ، وترجع القبة إلى عمارة القرن التاسع عشر.
ونجد داخل الضريح قبرا آخر عليه مقصورة خشبية مرتفعة عليها غطاء أخضر كتب عليه اسم «العز بن عبدالسلام»، ومن الثابت أن شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام توفى سنة 660 هـ، أى قبل القبارى بعامين، وأنه دفن بسفح جبل المقطم وقبره ظاهر، ولعله من أضرحة الرؤيا التى كثر انتشارها فى العصور الوسطى، وكانت ساقية بستان القبارى باقية إلى ما يقرب من ستين سنة ماضية، وأقيمت مكانها الآن مدرسة القبارى الابتدائية.
أما عن صاحب المسجد فهو الشيخ الزاهد أبو القاسم محمد بن منصور بن يحيى المالكى السكندرى، والمقلب بالقبارى، ولد فى الإسكندرية ونشأ وترعرع بها، ومات ودفن بظاهرها ولم يكن له بها صاحبة ولا ولد، إذ لم يتزوج طيلة حياته، وكما يقول زيتون، لم نعرف من أسرته غير والده منصور وجده يحيى وأخاه الذى مات بالإسكندرية فورثه القبارى، وقد ورث القبارى عن والده دارًا خربة وبستانا برمل الإسكندرية، وفى ذلك يقول ابن المنير عن القبارى إنه قال «سبق إلى ذهنى فى مبدأ العمر اختيار بستان الرمل من متروك أبى انقطع فيه»، وكانت لعائلة القبارى دار خربة وبأعلاها غرفة كان ينقطع فيها القبارى وهو صبى يشكو إلى الله إهانة صديق له، بخل بإعادة درس المدرس عليه بصوت مرتفع، ودعا عليه فاستجاب الله له».
ويروع لنا ابن المنير قصة شيخه القبارى هذه فيقول: وكان لى ترب قد تنبه بهيئة الفقهاء فى لباسه وكلامه، فوقفت به يومًا وسألته أن يعيد لى ما جرى لهم فى الدرس، فنفر فى وجهى نفرة التكبر فكسر قلبى، فرجعت دارنا وكانت لنا غرفة خربة، وكنت أخلو فيها فصعدت إليها وصليت ركعتين وبكيت، وقلت: ابتلينى بحب العلم وثقل السمع حتى تكبر على فلان اليوم، وبخل على بما لا يضره»، ودعوت على ذلك المسكين، فاتفق فى بقية النهار أننى اجتمعت ببعض من كنت أطلعه على أمرى فتحدثت معه فى ذلك، فلم يمر على ذلك المدعو عليه شهر حتى ظهرت عليه آثار المكر والإعراض عن العلم، وترك التزنى بزى أهل العلم، وسقط بالكلية عن تلك الرتبة، فقال لى ذلك الرجل: أقسم عليم بالله لا تعجل بعد هذا بالدعاء على أحد».
وتقول المراجع التاريخية على أن الشيخ القبارى ظل يسكن البستان والدار التى ورثها عن أهله برمل الإسكندرية حتى بلغ التاسعة والخمسين من عمره، حتى كانت سنة 646هـ التى اعتبرت نقطة تحول جديدة فى حياة جديدة فى حياة القارى فقد انتقل من الشرق من رمل الإسكندرية إلى الغرب، إلى المنطقة التى عرفت فيما بعد باسمه «منطقة القبارى»، ويقول زيتون فى كتابه «القبارة زاهد الإسكندرية»، عن الفترة التى قضاها فى غرب الإسكندرية، وهو ستة عشر عاما، ما يلى: وهى الفترة الثرية بجلائل الأقوال والأفعال، والحافلة بالحكايات والنوادر الزاخرة باللقاءات مع الملوك والأمراء والجنود والفقهاء.
أما عن السبب الذى جعله ترك القبارى بستانه فى شرق الإسكندرية ورحل إلى الغرب، فيرجع كما يقول ابن المنير إلى أن والى الإسكندرية فى عهد السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب كان قد سخر سنة 646هـ الناس فى إصلاح الخليج، مما ترتب عليه ظلم لهم، فلا يحق له فى نظره أن ينتفع بماء يجرى إلى بستانه وفى إجرائه عسف للعاملين فيه.
وكان القبارى كما قال كتاب «واحدًا من أهل الله لا إفراط ولا تفريط، خير الأمور عنده الوسط، فقد كان يعيش فى هذه الدنيا غير ناس نصيبه منها، ولا متشدد على نفسه فى استحلال الطيبات من الرزق، كانت معيشته غاية فى اليسر والبساطة، لا تعقيد ولا مروق، بأكل ويشرب ويصوم، يتعبد لله فى عمله بيده، وفى معاملته مع الناس على هدى وبصيرة من أمر دينه».
ورحل الشيخ أبو القاسم القبارى فى سنة 662هـ عن خمس وسبعين سنة ودفن فى بستانة، وأقيم على ضريحه مسجد صغير قام بتوسيعه محمد سعيد باشا فى القرن التاسع عشر، ثم توالت عليه يد التجديد والتعمير فى القرن العشرين.