فى ظل البحث عن الثراء السريع وبيع الوهم، طفت ظاهرة المستريح على السطح من جديد، وعادت وبشكل لافت وخاصة في بعض قرى الريف، والغريب أن هذه الظاهرة تعد "القديم - الجديد" وأصبح السيناريو تقريبا واحد مع اختلاف الأبطال دون أن يتعظ أحد ويتعلم الدرس، لنجد بين الحين والأخر نصابين جدد وضحايا كُثر بحكايات مثيرة.
والقصة كلها تبدأ من مواطن يحلم بالثراء السريع فيقوم بإجراءات لبناء الثقة، أولها استغلال سيرته أو سمعة أهله، أو طبيعة وظيفته، أو تواجده في الخارج، ثم يقوم بإقناع الناس بقدرته على توظيفهم، أو التجارة فى أموالهم، ومنحهم فوائد كبيرة تصل لـ30% أو 40%، أكثر من البنوك بأضعاف، وهنا تحدث "زغللة" للناس، وخاصة الطماع منهم، فلم يعد هناك تفكير على ضمانات أو تحكيم للمنطق أو العقل، إلا التفكير فى قيمة هذه الفوائد وضخامتها والثراء السريع، فيطمس على قلبه وعقله ليقع على الفور فريسة سهلة في شباك هذا النصاب.
وطبعا، هذا "المستريح" لم يكتف فقط بـ"زغللة العين" برفع الفوائد، وإنما يلجأ إلى تجنيد أناس يشيعون أنهم يحصلون على فوائدهم بانتظام، وعندما يدخل فى دائرة النصاب أحد الضحايا فإنه يتولى بنفسه الترويج للنصاب أو المستريح، لأنه كلما حصل على فوائد لمدة شهر أو شهرين أو ثلاثة فإنه يتحول لوسيلة دعاية بين الناس، فالكل يتسابق بالمشاركة بل يصل الأمر إلى أن هناك أناس يقومون بالترجى والبحث عن واسطة لقبول "المستريح" أخذ أموال منهم، معتقدين أنها ليلة القدر أو فرصة العمر، فيقوم هذا ببيع أرضه أو أخر ببيع مواشيه وثالث بسحب أمواله المودعة بالبنك ورابع ببيع ذهب زوجته وأهل بيته.
والأخطر ما فى هذه الظاهرة، استعانة النصاب بنصابين معه فى لعب دور رجال دين، لإقناع الأهالى أن الاستثمار فى البنوك حرام شرعا، وأن تسعة أعشار الرزق فى التجارة، وبالتالى أرباحهم معه حلال، وفرصة لا تعوض.
والملفت للنظر أيضا أنه أحيانا يكون الشخص "تاجر" قد بدأ بداية طبيعية لكن عند زيادة رأس المال في يديه يبدأ فى التحول إلى نصاب، رغم أنه لو صبر وركز في تجارته أو مشروعه لكان رحم نفسه، ولم يكن هناك ضحايا خربت بيوتهم.
وما بين جهل وحسن نية يجد هذا النصاب بغيته ويأخذ أموال هؤلاء عن طيب خاطر منهم غير عابئ بأن هذا خطر يهدد المجتمع وسلامته، ويفسد في الأرض، بارتكابهم مخالفات شرعية كثيرة كما أكدت دار الإفتاء على هذا، حيث تكون أول هذه المخالفات "الكذب" لأن المستريح لم ولن يكن صادقا في غرضه الذى يريد أن يغرى به الناس، ثانيا أن هؤلاء المستريحين لم ينطلقوا من قاعدة الكسب الحلال، المتمثلة في الاستثمار الآمن المحكم بقوانين منظمة له، وخاصة أن البنوك بكل أنواعها والمؤسسات هي مؤسسات مالية لها شخصية اعتبارية، وأنه لا ربا فى إيداع الأموال فى البنوك، فالبنك لم يأخذ المال ليقترض من الأفراد، ولكن ليدير هذا المال ويجريها فى عملية إدارة يعطى من خلالها الفائدة للمواطن وبناء على ذلك لا ربا فى هذه الحالة، وهذا كله يتم وفقا لقوانين وآليات تحكمها الدولة.
وختاما نقول، إن المسئولية الأكبر تقع على المواطن المنخدع بكذب "المستريح"، لأنه أولا، لو حكم عقله والمنطق وخاصة في قضية ارتفاع الفوائد لعرف أن هذا نصب واحتيال، ولأنه لو أخذ الفتوى من أهل الاختصاص وخاصة فيما يخص الربا، لعلم أن ما يفعله هو الربا بعينه، ولأنه لو فكر أنه يعيش في دولة تحكمها مؤسسات وقوانين لعلم أن هذه سوق سوداء تحكمها الغش والخداع، إضافة إلى أن هناك مسئولية أيضا على الدولة، فلابد من تغير فى التشريعات وتغليظ العقوبات في مثل هذه الجرائم بحيث تصل إلى المؤبد حتى يعرف من يرتكب هذه الجرائم أنه لن ينعم بهذه الأموال المحرمة التى نهبها، وهناك مسئولية أيضا على الإعلام، بالعمل على زيادة التوعية، وحث المواطنين على الاستثمار الآمن فى أموالهم وتسليط الضوء على الظاهرة ليدرك الناس خطورتها، وكذلك هناك مسئولية على المؤسسات الدينية بعدم السماح بتجار الدين من استغلال قضية الربا وفوائد البنوك، لنمنع جميعا فى النهاية انتشار مثل هذه الظواهر التى تخرب البيوت وتهدد سلامة المجتمع بسبب غياب الوعى في ظل ثقافة الطمع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة