لم يرفع أحد صوته بالمزايدة على مصر ومواقفها الثابتة، إلا وظهر مقص الحقيقة وقطع لسانه، واقع يتجسد كل يوم ويتجدد مع كل أزمة، تسير القاهرة بخطاها الثابتة والناضجة وتدير ملفاتها الإقليمية والدولية بمهارة تليق بحجم دولة تاريخها له جذور ثابتة فى الأرض السابعة، ومن حولها يتساقط كل المتاجرون بالقضايا وكل الذين عاشوا وَهم سرقة دورها، وكل من أنفق وخطط لتشويه صورتها.
كل المؤشرات الخاصة بالتطورات الأخيرة فى القضية الفلسطينية، وما يمارسه المحتل الإسرائيلى من إجرام فى حق الشعب الفلسطينى، تشير إلى أن ردود الفعل كلها فى كفة، ورد الفعل المصرى الثابت والواضح والمؤثر والعملى فى كفة بمفرده، وهى الكفة الرابحة والراجحة، بداية من تحركات الخارجية المصرية وتصريحات السيد سامح شكرى، وزير الخارجية، والرافضة لممارسات المحتل الإسرائيلى، والتى كانت، وبلا أدنى شك، هى التحركات والتصريحات الواضحة والصريحة، أو كما يقول أهل «الرماية» طلقات متتالية فى قلب الهدف أو «السوادة»، ومن بعدها جاءت تحركات الدولة المصرية على الأرض بمد يد العون للشعب الفلسطينى، سواء عبر المساعدات التى عرفت طريقها سريعا إلى أهلنا فى غزة، وبقية الأراضى الفلسطينية، أو من خلال فتح المعبر، وتخصيص أطقم طبية لمساعدة الجرحى والمصابين، ثم بدرة تاج الموقف المصرى، وهو قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بتقديم 500 مليون دولار كمبادرة مصرية، تخصص لصالح عملية إعادة الإعمار فى قطاع غزة، نتيجة الأحداث الأخيرة، مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك فى تنفيذ عملية إعادة الإعمار، وهو القرار الذى تضاعف بريقه وتأثيره بسبب توقيت إعلانه، والمكان الذى تم الإعلان فيه، حيث أعلن الرئيس السيسى ذلك فى قلب باريس، أمام العالم أجمع.
وبالتركيز مع مع توقيت ومكان إعلان مبادرة الرئيس السيسى، يمكنك أن ترى بوضوح أن التحركات المصرية الأخيرة تجاه الأزمة الفلسطينية الحالية، هى صفعات متتالية على وجوه كانت قد استعدت للمزايدة على الدور المصرى، وعلى كيانات ودول أنفقت مليارات من الدولارات فى محاولات لتقزيم مصر والنيل من دورها، وكلها محاولات شديدة البؤس وواضحة الفشل.
حتى هؤلاء الذين سجنوا أنفسهم فى مربعات المراهقة السياسية، انكشفت خيباتهم وهم يسعون لخلق بكائية: «مش عاوزينا نتظاهر عشان فلسطين»، فانهارت تلك البكائية قبل أن تسيل أولى دموعها بسبب التحركات المصرية السريعة والحاسمة والواضحة والداعمة للشعب الفلسطينى، بعد أن انتفت أسباب فكرة التظاهر، ليكتشف الشعب المصرى أن خلايا المراهقة السياسية التى تضم نشطاء ومعارضين طالما اعتادوا المتاجرة بالقضية الفلسطينية، هم أصحاب عقول سجينة فى مربع الشعارات والجعجعة، وتظن أن الدعم مجرد مظاهرة على الماشى، لتأتى تحركات الدولة المصرية، خلال الأزمة، كدليل عملى كاشف للفارق الكبير بين تحركات الدولة الفاعلة والمؤثرة تأثيرا يليق بحجم مصر، وبين ألاعيب المراهقة التى يمارسها هؤلاء الذين يعيشون فى أجواء تسعينيات القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، بينما كل شىء من حولهم تطور ونضج، وأصبحت الفروق واضحة بين من يستطيعون قيادة مؤسسات ودول وبين هؤلاء الذين لا يصلحون لإدارة مراجيح المولد.
مصر فى تحركاتها الأخيرة تخبرك، وتخبر الجميع، أنها أكبر من أن يزايد عليها أحد، تلك حقيقة لا تغيب حتى وإن غابت الشمس ذاتها، وإن مرت الألسنة على ذكر القضية الفلسطينية وجب على كل الألسنة أن تخضع وتلين وتذكر وتعدد ما قدمته مصر لخدمة فلسطين وأهلها وقضيتها، ومن قبل ذلك، وجب على العقول الاعتراف بأن القاهرة وحدها صاحبة الموقف الثابت، الذى لم يتغير من قضية تلاعب وتاجر بها الجميع، إلا مصر، بكلمة واحدة لا تتغير مهما تغير الزمن أو تبدلت أنظمة الحكم، وهى الحقيقة التى أوضحها وزير الخارجية سامح شكرى، قائلا: «دعم مصر ثابت وكامل للقضية الفلسطينية العادلة وللقيادة الفلسطينية الشرعية، وإصرارنا على إحلال السلام والتوصل لتسوية تعيد للشعب الفلسطينى، كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة ذات السيادة وفقا للشرعية الدولية، ومقرراتها، وعلى نحو يدعم الاستقرار والأمن فى الشرق الأوسط».
تلك كلمات القاهرة منذ زمن، وتترجمها الأحداث المتواترة إلى أفعال قدمت من خلالها مصر دماء أولادها، وجهود دبلوماسياتها، وأموال خزائنها لدعم فلسطين وأهلها، لذا يبدو الأمر مضحكا حينما يطل علينا أراجوزات الإخوان من حين إلى آخر، مهاجمين القاهرة ومتهمين سلطتها بالتفريط فى القضية الفلسطينية، وعدم الدفاع عن الفلسطينيين.
يبدو مضحكا لأن ألسنة الجماعة الكاذبة، تفعل ذلك منذ عشرات السنين دون أن يصدقها أحد، كلما دخلت فى خصومة مع السلطة المصرية تبدأ حملة اتجار بالقضية الفلسطينية لجذب التعاطف والتلاعب على الوتر الشعبى، متهمة السلطة بأنها تقف حائلا بينها وبين حلم تحرير فلسطين، بينما كل حوادث الزمن ووقائعه تمنحنا دليلا قاطعا بأن أحدا لم يربح من خلف الاتجار بالقضية الفلسطينية قدر الإخوان وجماعات الإسلام السياسى عموما، سواء كان ربحا شعبويا أو ماديا.
يتغافل قطعان جماعات الإسلام السياسى، والأبواق الصادحة بالكذب، عبر مواقع التواصل الاجتماعى، عن موقف مصر الواضح من القضية الفلسطينية، يبذلون الجهد للتشويش على المواقف المصرية الرسمية والشعبية، فى مقابل اجتهاد مسموم لإظهار الأدوار العنترية والمزيفة لكيانات لم تقدم للشعب الفلسطينى، على مر الزمن، سوى المزيد من الشعارات فى العلن، بينما فى الخفاء تتعاون عسكريا واقتصاديا مع الكيان الصهيونى، وتمنع كل فرصة لإعادة إعمار ما تم تدميره فى غزة.
وربما حان الوقت لكثير من الصراحة فى ذلك الملف، والاعتراف الواضح بأن تيار الإسلام السياسى، ومعه شلة النشطاء وغيرهم، هم أول من أضاعوا حق الفلسطينيين، وأول من ساعدوا الكيان الصهيونى على النهوض والسيطرة.
لن أخبرك بأن الفتن التى زرعتها جماعات الإرهاب وعلى رأسها الإخوان فى الوطن العربى، هى التى سمحت لإسرائيل أن تخطط وتدبر وتسيطر، أنت تعلم يقينا، وشاهدت بعينيك على مدار السنوات الماضية، بأن هذه الجيوش العربية المفككة والمنهكة والعواصم المدمرة فى سوريا وليبيا والعراق واليمن كان الإخوان هم أداة نشر الفوضى فيها، ألم يؤد كل ذلك إلى حالة هوان عربى أضعفت الموقف الفلسطينى؟!
يروج الإخوان تحديدا أن وعى الشعوب العربية تم التلاعب به، وتزييف وجدانه فيما يخص القضية الفلسطينية، بينما الحقيقة الواضحة على أرض الواقع، طوال السنوات الماضية، أن الإخوان والتيارات السلفية، هم أكثر من زيفوا الوعى العربى، ودمروا القضية الفلسطينية فى الوجدان، سواء بالمزايدة أو المتاجرة بالدم الفلسطينى أو بالشعارات الحنجورية والخطابات التواكلية، وشغلونا بمعارك السواك واللحية والملابس القصيرة والحجاب والحجامة وعورة صوت المرأة، بينما كانت إسرائيل تمضى قدما فى تنفيذ مخططها، وسرقة حق الشعب الفلسطينى.
القاهرة تنتصر مجددا، قاهرة عبدالفتاح السيسى التى تتحرك بثبات وإخلاص وذكاء وتعرى أصحاب الشعارات والأكاذيب الذين طالما وعدوا بالإعمار والدعم والمساعدة لإنعاش الشعب الفلسطينى إقتصاديا ومرت السنوات وذابت شعاراتهم كما يذوب الزبد على نار هادئة، قاهرة عبدالفتاح السيسى تنتصر، وتخبر الجميع أنها تقف فى مكانها الطبيعى داخل هذا الإقليم، وتقف على بوابة مائدة السلام والحلول السلمية كصاحبة مفتاح مهم لأغلب القضايا الدولية.