"مش بحب أتكلم فى السياسة، أنا دورى أضحك الناس" هكذا عرف نفسه الفنان الكبير سمير غانم، فى أحد لقاءاته التلفزيونية. ومن هذا المدخل، نفهم طبيعة الفنان الراحل الذى آمن بدوره كـ كوميديان قادر على إضحاك الناس وتسليتهم فقط. لم يضع نفسه فى موضع الفيلسوف أو صاحب القضية؛ قضيته كانت إسعاد الناس وإضحاكهم، وعاش مخلصًا لها حتى النهاية.
و"الضحك"، وفق تعبير سمير غانم، بالطبع لا يعنى الإسفاف والافتعال، إنما قالها الفنان الراحل على سبيل الدعابة، وكان مقصوده الواضح منها التأكيد على دوره كـ كوميديان فى إسعاد الناس ونشر البهجة، وليس مقصوده كذلك التخلى عن القضايا والمواقف الإنسانية، لكنه ضد إقحامها إقحامًا، أو معالجتها بما لا يحتمله أو يناسب الموقف الكوميدى.
سمير غانم منذ البداية أخذ مسافة من السياسة، بمعناها المباشر، باعتبارها "فخًا" كما وصفها من قبل، رأى منذ بدايته الفنية أن غايته إسعاد الناس، وليس إقحام الحديث فى السياسة أو قضاياها فى كل تفاصيل حياتهم وفى كل أوقاتهم.. كان يرى أن الإنسان يحتاج هدنة.. وكان النجم الراحل بارعًا فى منحنا إياها. حتى أحاديثه عن السياسة كانت عفوية تمامًا، وأقرب إلى رأى رجل الشارع العادى منها إلى فنان، ظل شغله الشاغل الناس، وليس من يحكم الناس، ودائمًا ما كان يردد "السياسة لها ناسها، الفنانين ربنا اداهم موهبة عشان يسعدوا الناس".
موقف سمير غانم، جاء عن تجربة وقناعة، وضعها لنفسه بعدما وجد نفسه ربما يؤدى دورًا لا يتسق مع روحه وذاته، وبعيدًا عن نفسيته، حين كان يقدم مسرحيته "جحا يحكم المدينة" للكاتب الكبير وحيد حامد، قرر بعد الموسم الأول عدم استكمالها، بسبب ما فيها من إسقاطات.
سمير اعترف أن العمل كان سياسيًا صريحًا، وإن كان الرقيب وسيطًا بينه وبين الجمهور، هنا ربما شعر بأنه خرج عن دوره كـ كوميديان من طراز خاص متمكن من أدواته قادر على إضحاك الجمهور من أبسط التفاصيل، والأهم من كل ذلك هو خروجه عن "روقانه"، هنا توقف سمير عن استكمال المسرحية، وكانت أقل أعماله شهرة لدى الجمهور، ربما سعد هو بذلك. وبعدها توقف عن التعاون مع وحيد حامد، ولم يعد للمسرح السياسى مجددًا، ووحيد حامد نفسه لم يعد لكتابة المسرح مرة أخرى.
هكذا عاش سمير غانم مخلصًا للضحكة، وفيًا للكوميديا، أقواله ومواقفه دائمًا ما تعبر عن ذلك، حتى وفى أكبر لحظات نجاحه، توقف عندما وجد نفسه يلعب دورًا غير ملائم لرسالته الأسمى "الضحك"، فتوقف وقرر ألا يقترب منها مرة ثانية.
رحل سمير غانم، وغاب عنا فنان يعرف قدراته وأدواته، وفقدنا روحًا متصالحة مع نفسها وموهبتها إلى أقصى حد، لكن عباراته و"إفيهاته" ستظل باقية تسعدنا وتضحكنا لنتذكر دائمًا أنه عاش بيننا كوميديان مخلص للضحك.