يكمن الفارق بين الممثلين المحترفين والممثلين العاديين فى التميز فى طريقة الأداء - بحسب خبراء التمثيل الأكاديميين - بالطبع عادة ما يقوم أى ممثل ناجح بأداء شخصيات مختلفة تماما، لكن توجد بصمة خاصة لكل ممثل ناجح ومشهور تميزه عن غيره، وفى الحقيقة قد يستغرق تشكيلك لأسلوبك العديد من السنين، حتى أنك قد تحتاج إلى التمثيل فى أكثر من عمل لتصل إلى أسلوبك المميز، وأى ممثل ناجح هو عادة ما يكون اجتماعيا، هو صاحب نبرة الصوت المميزة والحضور القوى فى مختلف الأدوار، أما الصفة الأساسية لأى ممثل ناجح وبارع هو أنه الشخص الذى يستطيع أن يمسك بخيوط كل المواضيع وأن يطوعها ليعبر عن وجهات نظره.
وتلك الصفات السابقة هى ما يتصف بها النجم المصرى الرائع تمثيلا وخلقا رفيعا (كريم عبد العزيز)، وقد صنعت له بصمة خاصة مكنته من تصدر المشهد الرمضانى بجدارة أدائه العذب فى مسلسل (الاختيار 2) ويبدو لى أن خبرة السنوات السابقة فى السينما وقليل من المسرح أكسبته كيف يتحكم فى مختلف المواقف وكيف يسيطر على الحديث بدون أن يشعر الآخرون بالضيق أو الملل، فمنذ بداياته الأولى طفلا تعلم إلقاء النكات والمواقف الطريفة، وكذلك سرد القصص والمواقف التى حدثت له أو سمع عنها، ويبدو لى أن براعته تلك ونضجه فى الأداء ناجمة عن توافر الإحساس و قوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية لديه، ومن ثم فهو يعيش فى الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية، كما حدث مع (زكريا يونس) ضابط الأمن الوطنى فى (الاختيار 2).
لقد بدا لى أن (كريم عبد العزيز) فى أدائه يتغير تغييرا كاملا فى الشكل الخارجى لهيئته و يتقمص الشخصية التى يمثلها، لأنه ببساطة يمتاز بعقل و جسم نشيط، ففى هذا العقل والجسم النشيط تكمن القوة الديناميكية لتكوين الشخصية، كما أنه قد أخلص للدور الذى يؤديه، حيث عاش فى مجتمع الدور و بإحساس صادق، وحاول الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان، و على هذا الأساس يمكن تحديد قوة الممثل أو ضعفه أو ما يسمونه بالموهبة الفنية، فضلا عن أنه أكد فى كل مشاهده داخل القطاع (الأمن الوطني) أو فى طريقة تعامله فى الشارع أو حتى فى البيت مع زوجته وبناته بأنه ملما بأغلب المشاعر والأحاسيس الإنسانية، فالممثل لا يستطيع أن يؤدى الدور بإحساساته الشخصية وحده .
يملك (كريم عبد العزيز) قدرة هائلة فى استيعاب التوجيهات من جانب المخرج بالإضافة إلى الإنتباه و التركيز التام اللذين يمثلان مكانا هاما عنده ، فالتركيز والإنتباه مطلوبان للممثل، فعليه أن ينتبه لكل لفظ وكل حركة و إلا يفقد زميله داخل اللوكيشن)، بل يجب أن يكون معه حتى بالنظرة و اللمسة يصغى إليه ويشاركه، وهو ما بدا فى حالة الانسجام الكامل مع (يوسف/ أحمد مكي)، و(محمد مبروك/ إياد نصار)، وكذلك الحال مع باقى المعاونين له فى المكتب أو أو قطاعات أخرى تشترك سويا فى تنفيد المهام، وهذا مايشير إلى أن (كريم) أحب دوره وأخلص له فظهرت الشخصية على نحو احترافى ناتج عن حالة (الإلهام) التى تبدو عليه فى معايشة الشخصية التى يمثلها، فالشخصية الشريرة تختلف عن الشخصية الطيبة، ولا بد من الكشف عن ظروف الشخصية وأحوال معيشتها كما فعل ذلك مع المقدم (زكريا يونس).
معروف أن الممثل هو من بين القلة من الفنانين الذين لا يمكنه فصل وسائل التعبير لديه عن نفسه، لأنه يبدع باستخدام جسده و صوته و ميزاته النفسية والعقلية .. أى أن إبداعاته لا تنفصل عن شخصياته، ونحن أمام ممثل كـ (كريم عبد العزيز) فإنه لمن الصعب فصل موهبته وإبداعه عن شخصيته، غير أن التمثيل فن، وكما هو الحال فى أى فن، فلا بد من توافر عناصر أساسية لدى الممثل، مثل المقدرة والدراسة والممارسة، وتدريب نفسه على طريقة التنفس بطريقة صحيحة وعلى التنويع فى إيقاع الصوت والنبرة، غير أن معظم الممثلين يتدربون سنين عديدة لاكتساب القدرة على تطويع أصواتهم بشكل كبير يسمح لهم بالتحدث بصوت مرتفع أو منخفض أو بشكل حاد أو ناعم، بناء عليه يجب على الممثلين المحترفين التدرب الدائم على تحسين قدراتهم الصوتية ومرونة أجسادهم طوال مدة ممارستهم لموهبة التمثيل وربما كان ذلك منهجا ثابتا عند (كريم عبد العزيز).
وبناء على هذا وصل النجم المتألق كريم عبد العزيز إلى درجة عالية من الاحترافية فى الأداء، وهو يجسد شخصية (زكريا يونس) ضابط الأمن الوطنى فى مسلسل (الاختيار 2.. رجال الظل)، فقد رسم لنفسه منذ اللحظة الأولى مسار وروح ونظرية أداء خاصة بدت أكثر شفافية وعمقا وإدراكا ومصداقية بجناحيها (الجاد والإنساني)، وهو ما لاحظناه جميعا مع تتابع الأحداث وتشابكها مع الواقع، فقد كان دائما لشخصية زكريا بعدها الدرامى المميز وجدها الفاصل فى رسالة العمل، وكشفت قدرة وبساطة (كريم) الفائقة فى التعبير عن مفردات تلك الشخصية وحضورها الطاغى من نظراتها التلقائية الحاسمة، وطريقة المحاكاة، والحوار الرصين الهادئ الخالى من الافتعال، سواء فى طبيعة عمله وهو يتعقب ويحقق مع الجناة والارهابيين، أو فى علاقته بالآخرين وتعامله مع الأصدقاء والأسرة والزوجة والبنات.
والأمر المؤكد أننا توقفنا كثيرا أمام تلك المفردات الإبداعية التى أكدت واقعية الشخصية الأمنية ودرجة قبولها بشكل متكامل لأول مرة، بل وجعلنا منهج أداء كريم عبد العزيز نتعايش معها يوميا نتنفس هواجس مصاعبها واحلامها وأهدافها ونتوحد مع إرادتها الكبرى فى الحفاظ على الوطن وهويته فى كشف مؤامرات واعترافات الخونة والإرهابيين ومحاورتهم، وتقييم أفكارهم الدموية والظلامية اللعينة.
مشاهد متعددة داخل (الاختيار 2) برزت فيها براعة كريم فى تمسكه بذلك الإحساس الذى لم يحيد عنه لحظة، نتذكر مثلا مشهد موت الشهيد (محمد مبروك)، والقبض على الضابط الخائن عويس، أحداث فض رابعة، ومشاهد أخرى كثيرة جمعت بينه وبين نماذج من المتورطين فى عمليات إرهابية، كلها مواقف ومشاهد تؤكد أن شخصية المقدم (زكريا يونس) ستبقى فى تاريخ الأداء المجيد لكريم عبد العزيز، وقطعا فإن روح المسلسل وأجواءه والسيناريو الذى كتبه باهر دويدار ببراعة، وإتقان ورؤية المخرج بيتر ميمى المبهرة فى توثيق الواقع وتصوير حقيقة المشاعر والأفكار، كان لها دور كبير فى التمهيد للإبداع والتألق لنجم يولد مرة أخرى مع رجال لم يكونوا يوما فى الظل بفضل دفعه لهم نحو المقدمة.
ومن ضمن المشاهد التى تؤكد موهبة (كريم عبد العزيز) التى صقلها بالتدريب والملاحظة مع ضباط حقيقيين، مشهد إمساكه للإرهابى فى المسلسل حينما وضع رأس الجانى تحت يده، وكما فسرتها (رغدة السعيد) خبيرة لغة الجسد، قائلة: إنها لها دلالة كبيرة ولم تجسد هباء أو بالصدفة، حيث إنها تشبه قبضة الجزار للخروف، وأن تلك القبضة تدل على تمكن الضابط من المتهم، وأنه فى النهاية بعد جرائمه أضحى بين يدى الأمن، ويقبض رأسه قبل يده، وأيضا بها رسالة غير مرئية إلى من يرى المشهد، فحواها أن قبضة الأمن هى نهاية من تسول له نفسه بأن يخرج عن القانون، كما أنها تعنى أن مكانة الأمن أعلى وأقوى من المخربين، وحينها يدرك المجرم ضآلته أمام القانون وقبضته المحكمة التى مهما تخيل أنه سيتفاداها أو يهرب منه لن يتمكن من ذلك، لذا جاءت حركة (كريم عبدالعزيز) مدروسة ومدرب عليها وهو ما نراه فى أغلب الحالات الحقيقية خلال القبض على الإرهابيين.
قدرة مدهشة على التلون من الكوميديا إلى الأكشن ثم الرومانسية، وحتى الرعب، تصدقه فى كل شخصية يجسدها (كريم عبد العزيز)، ابن البلد الجدع، الحلنجى والصايع والعاطل والغلبان واللص والمنتقم، ضابط الشرطة وضابط المخابرات، ومندوب المبيعات، والأب المكلوم، والزوج المقهور، والطبيب النفسى المُحبط، كما بدا لنا على مدار رحلته الطويلة فى عالم التمثيل، وهاهو اليوم يتماهى تماما مع شخصية ضابط الأمن الوطنى فى مسلسل (الاختيار 2)، حيث تنفجر الحالة الإنسانية لشخصياته إبداعا بجانب دراما الصراع الرئيسى والساخن والتى يواجه فيها أبطال من رجال الظل البواسل الجماعات الإرهابية ومخططاتهم الشريرة ضد الوطن فى حقبة زمنية مصيرية.
تلك الحالة والرؤية التى شكلت خطا دراميا مهما وجذابا، امتزجت فيه كل المشاعر والأحاسيس والانفعالات، سواء على خطوط النار فى الدفاع عن هوية واستقرار ومستقبل ومقدرات شعب مصر أو داخل المكاتب والبيوت بعلاقتها الانسانية الطبيعية، تلك هى أعظم وأجمل ما فى هذا المسلسل، إلىة جانب أن أداء (كريم) العزيز) شعرنا معه وزملائه من الممثلين بتوحد كبير، سواء مع إرادة أبطاله من رجال الأمن الوطنى وقوات مكافحة الإرهاب فى التصدى لعداءات الداخل والخارج، أو مع عزيمة هؤلاء الأبطال فى التعامل الإنسانى والنفسى أمام تحديات وأزمات ومشاكل حياتهم الأسرية الخاصة ومفاجآت أيامهم ما بين أحلام وحب وفقدان وألم، تلك المشاعر التى جسدها باقتدار وبراعة نجوم العمل وقد شكلت لهم لحظات توهج كبيرة.
تذكروا معى كم مرة أبهرنا (كريم عبدالعزيز) مقدم الأمن الوطنى (زكريا يونس) بأدائه فى غرف العمليات وفى الشوارع وهو يوقف توغل المتطرفين، وكيف كانت تعبيراته عن صدمات مثل اغتيال الشهيد البطل (محمد مبروك) إثر خيانة صديقه الضابط عويس، وكيف أخبر زوجته فى مشهد عظيم الأداء بينه وبين (بشرى)، أو عندما عرف إصابة زوجته بسرطان، كانت تعبيراته أمام (إنجى المقدم) بمثابة مشهد لا ينسى، إن طريقة تلفظه للكلمات والجمل كانت ذات أهمية كبيرة فى توجيه المعنى، فدور الكلمة تستثير فى الممثل مختلف المشاعر والرغبات والأفكار والصور الداخلية البصرية والسمعية وغيرها، هذه الصورة يجب أن تتولد عند الممثل وتصل إلى الجمهور، إن معرفة الممثل (كريم عبد العزيز) لفن الإلقاء على نحو عام وإلمامه بأصول وقواعد إلقائه قادته بالضرورة إلى النجاح فى مهمته الفنية فى المسلسل.
ويبقى لى القول بأنه إلى جانب البعد الإنسانى فى العلاقة مع المقربين منه وتمتعته بأخلاق الفرسان فى المنافسة الشريفة، نجح الفنان الموهوب (كريم عبد العزيز) بموهبته المثيرة للإعجاب ومن خلال لغة جسده المميزة والموحية عكس إحساسا وشعور قويا بالمسئولية تجاه الوطن والزملاء، ولعل الاهتمام بالتفاصيل هو سر النجاح.. والصدق كان مفتاحه طوال الحلقات للفوز بقلب الجمهور، فعلى الرغم من التراجيديا المسيطرة على أجواء المسلسل إلا أن حضوره كان خفيفا وقادرا على أن ينزع الابتسامة والضحكة، كما أن طلته دائما قادرة على رسم الابتسامة، وآسرة القلوب كذلك، ولا ننسى أنه هو واحد من ممثلين جيل مختلف استطاع أن ينعش السينما مرة ثانية بعد سنوات من الركود، ومن هنا يمكن القول بأن كريم عبد العزيز دون أن يقصد صاغ لنا ولزملائه حكمة أراها موجزة لمشواره: (أن تولد نجمًا فهو اختيار القدر .. وأن تبقى نجمًا فهذا هو اختيارك) .. فتحية تقدير واحترام له على أدائه المبهر فى مسلسل (الاختيار 2)، والتحية واجبة للمؤلف هانى سرحان والمخرج بيتر ميمى وجهة الإنتاج (المتحدة للخدمات الإعلامية)، التى نجحت فى إنتاج عمل وطنى ونجما استطاع أن يتصدر المشهد الرمضانى بجدارة أدائه الرفيع.