ما يجرى من قوات الاحتلال الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين، تكرار لسلوك عدوانى متكرر، لكنها المرة الأولى التى تبدو فيها الوقائع بهذا الوضوح والتداخل، لأنها تأتى وسط اتساع السوشيال ميديا، وقنوات ومنصات النشر، التى تصنع حالة من السيولة والكثافة المعلوماتية، ومعها خليط من الحيرة، ففى حين ترتفع حالات التضامن فى أوروبا وأمريكا، فهى أيضا تواجه دعاية إسرائيلية واضحة، ومن المفارقات أن دولة الاحتلال التى تمتلك القوة والسلاح، وتقصف أبراج وبيوت وشوارع غزة، فهى تقدم نفسها على أنها المعتدى عليه، فى المقابل فإن صواريخ تطلقها المقاومة تصورها إسرائيل على أنها تهديد للمدنيين.
وتكفى نظرة على أرقام الخسائر، 231 شهيدا، منهم 65 طفلا و39 امرأة و1710 مصابين فلسطينيين، ودمار هائل بالمبانى والمساجد والكنائس، بينما الفصائل تعلن إطلاق 3500 صاروخ على تل أبيب، الاحتلال يقدم الأمر على أنه يتعرض لوابل من الصواريخ، فيبالغ فى رد الفعل، رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو يعلن أنه انتصر وأنهى تهديدات الصواريخ وقضى على البنية الأساسية للمقاومة، بينما حماس ترد بأنها ما زالت قادرة على إطلاق الصواريخ.
ووسط اتساع دوائر النشر والتواصل الاجتماعى، تختفى الأطراف التقليدية التى اعتادت المزايدة فى القضية الفلسطينية، أو الأطراف التى تريد الدعاية لنفسها، بينما بقيت ردود الأفعال مكررة، لا تتجاوز إعلان التعاطف والتأييد، من دون جديد يمكن أن يصب فى صالح الحقوق الفلسطينية.
أطراف قليلة هى التى تعمل بجد ومن دون حسابات أو رغبة فى استغلال الصراع لأهداف سياسية أو دعائية، ومنذ اللحظة الأولى تواصل مصر جهودها للتهدئة، لوقف إطلاق النار على غزة، وتخصص 500 مليون دولار لإعادة الإعمار.
القاهرة لديها اتصالات وعلاقات مع كل الأطراف، سواء فى المنطقة أو على المستوى الدولى، خاصة وقد فشل مجلس الأمن الدولى فى إلزام إسرائيل بوقف العدوان على غزة، فى ظل موقف أمريكى منحاز للعدوان، وغير قادر على الضغط، ولم تقدم الولايات المتحدة أى مبادرات، واكتفت بالإشارة لمساع القاهرة والتى يبدو أنها الأقرب لمعالجة الصراع.
مصر لا تكتفى بالحديث عن التهدئة، لكنها تتحدث عن أهمية العودة لجهود السلام، ولم تتوقف جهود مصر لإنهاء الانقسام الفلسطينى وتوحيد الصف والدفع نحو التحام الضفة والقطاع، حتى يمكن الحديث عن طرف فلسطينى واحد، هو الحل للدخول فى أى جهود للسلام. وحسب صحيفة «جارديان» البريطانية، تكتسب الجهود المصرية زخمًا بين الفصائل فى غزة، فيما، أبدى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون دعمه للوساطة المصرية، واعتبرت بلومبرج أن «القاهرة تلعب الدور المحورى فى هندسة وقف إطلاق النار»، لأنها حافظت على اتصالاتها فى غزة، وسعت للتوسط فى المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وأشار محلل بلومبرج إلى فتح معبر رفح لاستقبال وعلاج الجرحى وإدخال المساعدات الغذائية والدواء والوقود.
كل هذه التفاصيل تظهر فى ظل سيولة إخبارية ومعلوماتية، فضلا عن تداخل وارتباك فيما يتعلق بالمواقف والسياسات، حيث تتضاعف مصادر البث والنشر، ولا تخرج الكثير من ردود الفعل عن التكرار والمواقف الجاهزة، التى لا تضيف، وتظل مجرد بوستات أو تويتات على مواقع التواصل، والتى تحمل الكثير من الكلام، والقليل من الفعل فى مواجهة العدوان، أو حتى فى إقناع العالم بأن المعتدى الإسرائيلى هو من يقدم نفسه فى صورة الضحية.