الغضب ليس أمرًا هينا ولا سهلًا، إنه يأخذ بالإنسان إلى طريق صعب، طريق قد يورده المهالك، ويورثه الغم والعياذ بالله، فإن حدث ذلك فكيف يكون العمل؟
لا نزال نواصل مع سورة الأنبياء، لأن فيها أكثر من وقفة، يقول الله سبحانه وتعالى "وذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"، لقد كان سيدنا يونس عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فى موقف صعب، إنه فى ظلمات، يقول أهل التفسير، إنها ثلاث ظلمات، ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، وكان قد خرج غاضبا من قومه لأنهم لم يتبعوا دعوته، وعندما التقمه الحوت، صار فى ظلمة رابعة هى "ظلم الغم"، ولكنه تذكر قدرة الله سبحانه وتعالى فدعا ربه "لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين"، ولو تأملنا هذا الدعاء ستجد أنه اعتراف مصحوب بندم وليس طلبًا بالشكل المباشر.
إنه يعترف بوحدانية الله سبحانه، وأنه لا معبود بحق سواه، وتبع سيدنا يونس ذلك باعتراف آخر مهم يتعلق بنفسه، لقد ظلم نفسه حين سمح للغضب بأن يتحكم فيها، وهذا الاعتراف كان له مفعول السحر، فقد استجاب الله لهذا الدعاء المتستر تحت ستار الاعتراف "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ".
والنجاة من الغم، جائزة كبرى، لا يعرفها إلا من عانى من ذلك الأمر الصعب "الغم"، ومعناه المباشر هنا "بطن الحوت"، ولكن المعنى الأكبر والأوسع، هو كل ما يصيب الإنسان ويثقل عليه حياته.
و"الغم" عند أهل اللغة فيه معنى الإخفاء، فهو الحزن الذى يخفى الفرح والقلق الذى يدارى الراحة خلفه، هو كل حمل ثقيل على الظهر والقلب، يجعل طعم الحياة مرًا، وهواءها ثقيلًا خانقًا، ويجعل كل صغيرة كبيرة، فإن أمسك بالقلب أوجعه، وإن مس العقل جعله عاجزا عن اتخاذ أى قرار، وإن سكن فى الجسد أوهنه وأفقده طعم الحياة، والنجاة منه نصر كبير، وكى نحققه نحتاج وقفة مع النفس ودعاء للرب وأملا فى الاستجابة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة