أى مراقب للوضع الإقليمى والدولى، يعرف أن ما يجرى اليوم من تحولات فى السياسة الإقليمية والدولية، أو تبدل المواقف من العداء للتقارب، هو نتاج لتراكمات جرت على مدى سنوات ماضية، وأن حجم الثقة الذى تحوزه الدولة المصرية إقليميا، جاء نتيجة ما قدمته القاهرة من أدلة على أن عائد الاستقرار والتنمية فى المنطقة أضعاف عوائد الصراع والغليان الذى يجرى على مدى السنوات.
وحرصت مصر فى بناء سياساتها الخارجية على تدعيم الحوار والتقارب، وخفض التوترات والانخراط فى عمل سياسى، وإبعاد التدخلات الخارجية وقطع الطرق لتمويل ودعم الإرهاب، تمسكت برؤيتها ودفعت نحو تحقيقها، وحرصت مصر على إعلان رؤيتها فى كل المحافل الدولية أو خلال رئاستها للاتحاد الأفريقى أو المؤتمرات والفعاليات المختلفة التى دعت لها أو شاركت فيها مصر، ولم تتوقف اتصالات الرئيس عبدالفتاح السيسى مع كل الأطراف الدولية الفاعلة، روسيا والصين وأوروبا واليابان والولايات المتحدة، فضلا عن استمرار الاتصالات والتنسيق مع الأطراف العربية والإقليمية شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، وبناء علاقات قوية مع أفريقيا والمحيط العربى والمتوسط.
حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على تأكيد رؤية مواجهة الصراعات والحل السياسى، واقتنعت الأطراف الدولية والأوروبية بصحة خيار «الاستقرار والتنمية»، وهو ما بدا فى تزايد رصيد الثقة تجاه مصر، وانعكس مؤخرا فى اتصالات من الرئيس الأمريكى جو بايدن بالرئيس السيسى، أو نجاح المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار فى الأراضى المحتلة، وقبلها تحقق الطرح المصرى فيما يتعلق بالأوضاع فى ليبيا، مع استمرار التنسيق مع الأطراف الإقليمية لتثبيت وقف إطلاق النار، بل إن مصر تطرح إعادة مفاوضات السلام، تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية.
ولم يكن الموقف الأمريكى مفاجئا لمن يقرأون تطورات الأوضاع السياسية وتقاطعات النفوذ فى المنطقة، فالاتصالات المصرية الأمريكية لم تتوقف خلال السنوات الماضية، فضلا عن معرفة الدور المحورى للقاهرة إقليميًا ودوليًا، وما تملكه من أوراق تمثل مفاتيح للكثير من القضايا سواء القضية الفلسطينية أو غيرها، وذلك بناء على نجاح الطرح المصرى فى عدد من القضايا، ومنها القضية الليبية؛ واستعادة توازن أركان الدولة الليبية واستقرارها، والحفاظ على مؤسساتها الوطنية، وصولًا إلى الانتخابات نهاية العام.
وقد دفعت مصر مبكرا نحو إطلاق الحل السياسى، وأن تكون ليبيا لليبيين مع إبعاد الأطراف والتدخلات الخارجية، وبعد سنوات من فشل المحاولات الدولية والإقليمية، نجحت مصر فى دعم التوجهات بجلسات حوارية بين أطراف ليبية انتهت لبدء الحل السياسى.
كل هذه التطورات، ما وصلته الدولة المصرية إقليميا ودوليا نتاج تراكمات لحفظ الأمن القومى وقوة الدولة الوطنية باعتبارهما أساسى الاستقرار والتنمية، وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، دائما أن مصر لا تتدخل فى شؤون الدول الأخرى، وترى أن سياسات كل دولة من شأن شعبها، وفى الوقت ذاته تحمى أمنها القومى، و أن عودة الاستقرار مرة أخرى للإقليم العربى مصلحة للجميع، لأنه يوفر الفرصة للتنمية والتراكم ويوقف نزيف الخسائر، بالشكل الذى يسهل البناء، أو وقف ما أسماه الرئيس تسلسل الأزمات، وأيضا تساهم التنمية فى مواجهة الإرهاب.
لقد تحركت مصر بدبلوماسية ثابتة تجاه كل الملفات، فى ظل ثورة معلوماتية وتكنولوجية، وحروب دعاية تتوازى مع حروب السلاح، وأجهزة إعلام ومواقع التواصل تفرض حربا افتراضية بجانب التقليدية.
راهنت مصر على قوتها الدبلوماسية والسياسية، واعتبرت أن الرهان على التدخلات أو التنظيمات الإرهابية هو رهان خاسر، وأن الاستقرار والتنمية خيارات أساسية، والحلول السياسية أصل المواجهة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة