من بين أعمال كثيرة فى رمضان، يأتى مسلسل «الاختيار 2» ويمثل بالفعل خطوة مهمة فى سياق الدراما، التى تعتمد على وقائع وأحداث حقيقية. نجح «الاختيار1» فى العام الماضى، لأنه سلط الضوء على بطولات حقيقية لرجال الصاعقة، الذين واجهوا بالفعل تحديات ضخمة فى حرب ضد إرهاب أسود، ممول بملايين، وتسبب بالفعل فى تفكيك دول من حولنا، الأمر الذى يجعله أمرا واقعا، وليس مجرد افتراضات أو تهاويل، ثم إن العمل كشف عن زوايا غائبة لم يكن يعرف عنها الناس كثيرا، وسعى السيناريو للربط بين خيوط متعددة، فضلا عن تقديم الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية، بتفاصيل خطابهم وبنيتهم العقلية، وابتعد عن التصور النمطى للإرهابى بهيئة منفرة، أو مبالغ فيها شكلا ومضمونا.
فى «الاختيار1» رغم أنه يتناول أحداثا ومعارك صعبة، نجح السيناريو مع الإخراج فى تقديم حلقات مشوقة وقادرة على جذب المشاهد، بعيدا عن المباشرة التى تقلل من قيمة العمل، كان المشاهدون يتابعون الأحداث بشكل مستمر، خاصة الحلقات الأخيرة التى شهدت استشهاد أحمد منسى، كما حاول العمل تسليط الضوء على حياة الضباط والجنود بشكل إنسانى فى ثنائيات لا تفتقد التشويق والدراما، ونظن أن «الاختيار1» كسب جمهورا إضافيا بقدرة كبيرة على التشويق والتنوع فى الشخصيات، وكسب الرهان على تقديم مسلسل من حلقات، وليس مجرد فيلم، وهذا هو التحدى الدرامى.
«الاختيار2» جاء فى سياق أوسع، من حيث الشكل والمضمون، فهو يقدم دراما توثق مرحلة من أخطر مراحل الصراع، وحرب حقيقية شنها تنظيم الإخوان، متحالفا مع تنظيمات أخرى مثل داعش وباقى التنظيمات الفرعية والأساسية، وكشف بشكل فنى العلاقة بين الإخوان والتنظيمات العنيفة وبعد سنوات وعقود حرصت فيها الإخوان على غسل يديها من الإرهاب، وفى هذه السنوات التى أعقبت الإطاحة بحكم الإخوان، تكشفت العلاقة بين التنظيم كأساس للعنف والإرهاب المغلف بالدين، وبين تنظيمات متنوعة انطلقت وخرجت من «حازمون» وتنظيم الجهاد والعائدون من أفغانستان، والمفرج عنهم بتدخل التنظيم، وكل هؤلاء ظهروا بعد قفز الإخوان على السلطة، وظهروا فى مجلس الشعب والرئاسة والأحزاب وفرضوا وجودهم، بل وتم تعيينهم فى مناصب مختلفة، وصلت لتعيين إرهابى محافظا، وربما لم تظهر الاختلافات بين التوجهات المختلفة التى اشتركت فى كونها تكفيرية، حتى لو اختلفت فى التفاصيل.
بالطبع هذه التفاصيل ربما يمكن أن تشتت العمل، ولهذا اختار السيناريو والمخرج خيوطا واضحة لعمليات مشهورة، ونجحوا بالفعل فى هذا الخط، وبالرغم من أن العمل يركز على العمليات الخاصة ومساعى وجهود ضباط الأمن الوطنى، وعشرات من رجال المعلومات لتربيط الخيوط ومطاردة إرهابيين خطرين، بعضهم غير معروف ومدرب بشكل كبير، وهذه التفاصيل يعرفها كل من تابع هذا الملف، حيث كان كل يوم جمعة يشهد تفجيرات ضخما أو اغتيالات، وزرع عبوات فى أماكن دقيقة قتلت أبرياء، لم تفرق بين شرطى أو غير شرطى، وبالرغم من قرب هذه التفاصيل، فقد تاهت وسط تطورات كثيرة شهدتها مصر طوال السنوات التالية لفض رابعة.
والواقع أن «الاختيار 2» فيه ميزة مهمة وهو تعدد البطولات، وقد نجح كريم عبدالعزيز فى أداء دور ضابط الأمن بشكل كبير، وبالطبع فإن أحمد مكى قدم دوره ببراعة لم تخل من خفة دم غير مصطنعة، وطبعا مع أداء مميز لفنانين مثل هادى الجيار، أحمد حلاوة ورياض الخولى، الذى قدم أداء جديدا غير مكرر للضابط الكبير، إياد نصار الذى قدم دور محمد مبروك بشكل مقنع، وحتى العناصر النسائية مثل إنجى المقدم، وأسماء أبواليزيد، فالعمل بشكل عام نجح ويحسب لشركة سينرجى إنتاج مثل هذا العمل، وهناك المزيد من الكلام يقال عن عمل مثل «الاختيار»، منه طريقة تنفيذ الاقتحامات فى شوارع ضيقة، والتعامل مع تفاصيل صغيرة ومهمة تتعلق بعمل الأمن، نواصل الكتابة حولها.