قانون فرنسى جديد يثير الجدل حول التغيرات المناخية، في ظل تساؤلات حول ما إذا كانت هناك جدية من قبل حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، في تحقيق خطوات جادة لحماية البيئة في المرحلة المقبلة، أم أن المحاولات تقتصر فى جديتها على مجرد تهدئة النشطاء المهتمين بالبيئة، خاصة وأن ثمة ارتباط كبير بين فرنسا، وقضايا المناخ، في ظل العديد من الأبعاد، أهمها ارتبطا الاتفاقية المناخية، التي تحظى بإجماع دولى، باسم العاصمة الفرنسية باريس، وهو الأمر الذى يضع فرنسا في مقدمة الصفوف المدافعة عن قضايا البيئة والمناخ في العالم.
ولعل التوتر الكبير الذى شهدته العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة، إبان عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، كان في جزء كبير منه بسبب موقف واشنطن المعادى آنذاك لقضايا المناخ والبيئة، إلى الحد الذى أدى إلى الانسحاب الأمريكى من الاتفاقية، بينما حرص الرئيس الجديد جو بايدن، بمجرد دخوله إلى البيت الأبيض، إلى التوقيع على مرسوم من شأنه العودة إلى الاتفاقية، فى محاولة، ليس فقط لإعادة الاعتبار إلى المناخ، وإنما أيضا كانت بمثابة مصالحة ضمنية مع الرئيس ماكرون، والذى يعتبر أن ارتباط اتفاقية المناخ ببلاده، بمثابة جزء من المسعى الفرنسي لاستعادة النفوذ الدولى، في ظل طموحاته الكبيرة التي ترجمتها العديد من سياساته منذ بداية حقبته في عام 2017.
القانون الجديد، والذى ستناقشه الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) ينص على إلغاء بعض الرحلات الجوية الداخلية فى حال أمكن استبدالها برحلات بالقطار تقل عن ساعتين ونصف، وإدخال مفهوم "الجريمة البيئية" واستحداث علاوة لشراء دراجات كهربائية أو حتى حظر تأجير أماكن إقامة تعتبر "مصافي حرارية" اعتبارا من 2028.
إلا أن القانون المقترح لاقى انتقادات كبيرة من قبل قطاع كبير من المهتمين بشئون البيئة، حيث يرونه مجرد خطوة تهدف إلى خداع الرأي العام، حيث لا تنم عن أي جدية من قبل الحكومة الفرنسية لتحقيق تقدم فيما يتعلق بقضية البيئة.
الرحلات الجوية الداخلية سيتم تقييدها فى القانون الجديد
وكان النص موضع نقاشات دامت أكثر من 110 ساعات في مجلس النواب الفرنسي لمدة ثلاثة أسابيع حتى منتصف أبريل، وبعد تبنيه سيرفع النص إلى مجلس الشيوخ فى يونيو المقبل.
من جانبها، دافعت وزيرة الانتقال البيئى باربارا بومبيلي عن نص للترويج "لبيئة عملية" و"التفكير السليم" و"تحول ثقافي عالمى حقيقى"، في الوقت الذى أعرب قطاع كبير من النواب، من بينهم الوزيرة السابقة دلفين باتو، عن معارضتهم للقانون، معتبرين أنه ربما كان مناسبا قبل 15 عاما، في حين أن تمريره الآن يعكس فشلا ذريعا، وانعدام جدية الحكومة في التعامل مع الأزمة التي قد تترك تداعيات كبيرة.
ويستند المعارضون إلى ما ذكرة المجلس الأعلى للمناخ، وهو هيئة مستقلة، في تقرير أصدره في فبراير الماضى، حول "النتائج المحدودة" لبعض التدابير نظرا إلى أهداف خفض انبعاث الغازات الدفيئة. وعزز الاتحاد الأوروبى طموحاته لعام 2030 لخفض الانبعاثات بـ55% مقارنة مع 1990.
الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)
إلا أن الوزيرة بومبيلي رفضت الادعاءات حول عدم جدية الحكومة، معتبرة أن معارضى القانون لا ينبغي أن ينظروا إلى المقترح باعتباره الخطوة الوحيدة التي اتخذتها باريس، لمجابهة التغيرات المناخية، كما أنها لن تكون الأخيرة.
وأضافت أنه ليس مشروع القانون الوحيد الذي يسمح بتحقيق الأهداف التي وضعها الجانب الفرنسي على عاتقة، (خفض بـنسبة 40% بين عامي 1990 و2030 في هذه المرحلة)، لكن مجموع التدابير المتخذة في عدة قوانين بالإضافة إلى رصد مبلغ 30 مليار يورو لزيادة المساحات الخضراء من شأنها تحقيق هذا الهدف بأريحية كبيرة.
وبات إلغاء بعض الرحلات الجوية الداخلية بين باريس ونانت وبوردو وليون، موضع نقاشات، ورغم أنه يدعم القرارات التي سبق لشركة "إير فرانس" أن اتخذتها، احتج عدد من النواب من كافة التيارات على هذا الإجراء خصوصا نواب غرب البلاد حيث تساهم إيرباص في تحفيز النشاط الاقتصادى.
ورغم أزمة "السترات الصفراء" في 2018-2019 التى نشأت من فرض ضريبة كاربون على الوقود ركزت الحكومة على "الحبل المشدود" بين "الطموحات البيئية" و"ما هو مقبول اجتماعيا". كما أبدت الحكومة حذرا من شبكة النقل البرى المعارضة بقوة للنص.