و استكمالا للحديث الغير منقطع عن المرأة التي تشكل نصف المجتمع ، و التي بحقيقة الأمر تعد ميزان اعتدال هذا المجتمع ، فالمرأة هي عماد الأسرة و باللغة الدارجة هي عمود البيت الذي إن استقام و اعتدل و كان من القوة و الصلابة ، استقامت و اعتدلت الأسرة التي هي نواة المجتمع .
فهل تكتمل الصورة الباهتة التي تظهر بها نساء مصر لتتحول إلي صورة ناصعة براقة تليق بهؤلاء العظيمات اللائي ما زلن يحاربن قسوة الحياة التي فُرضت عليهن في هذه المجتمعات الذكورية من أجل إثبات الذات و البرهنة بالأدلة القاطعة أنهن بحق أهل لهذا التقدير ؟
بالرغم من الإعتراف المعلن شكلياً و رسمياً في المجتمع بحق المرأة في الحصول علي فرصتها في جميع المشاركات السياسية والإجتماعية و العلمية و الثقافية و كذلك في تقلد المناصب الرفيعة في الدولة التي كانت حكراً علي الرجال ، إلا أنه ما زالت المعتقدات الراسخة في وجدان المجتمع تنظر إلي المرأة علي اعتبار أنها صورة غير مكتملة !
فهل من المنطقي أنه منذ منتصف القرن الماضي و حتي يومنا هذا لم نسمع عن عالمة جليلة بقدر منزلة الدكتورة سميرة موسي عالمة الذرة التي لفتت أنظار الدنيا بأبحاثها عن القنبلة النووية و كيفية تصنيعها من المعادن الرخيصة حتي تم اغتيالها علي يد الموساد الإسرائيلي ؟
هل عدمت مصر من هن بقدر تلك العالمة الكبيرة أم أننا في مجتمع يعمل علي وأد المبدعات و تكسير عظامهن كي لا يرتفع سقف طموحاتهن و كبت إبداعاتهن و تفردهن الذي لا ينضب ؟
من المؤكد أن مصر تمتلئ بمثل هؤلاء المبدعات و العالمات المتفردات لكنهن لا يجدن من يهتم لأمرهن و ينمي مواهبهن الرائعة و يرعاها لتكبر و تؤتي ثمارها مثلما حالف الدكتورة سميرة موسي الحظ لتجد أبيها و أستاذها الدكتور علي مصطفي مشرفة داعمان قويان لموهبتها حتي خرجت للنور و تحدث عنها العالم أجمع .
فإن عدنا بالزمن إلي أصولنا و جذورنا العميقة منذ عهد المصريين القدماء و فتحنا كتب تاريخنا الطويل جداً و بحثنا عن أهمية المرأة و تقديرها و دورها في المجتمع و تقديس الزوج و الإبن لها سنجد أنفسنا قد سقطنا حقاً من قمة الرقي و التحضر و الإنسانية إلي قاع التبجح و التأخر و انعدام الرحمة و تجاهل تعاليم الأديان !
فقد كانت الدلائل التي تركها المصريون القدماء تؤكد كل التأكيد على ما تمتعت به المرأة في مصر القديمة من تقدير إنساني ومكانة اجتماعية، وما حققته من نجاحات في مختلف المجالات الحياتية، حتى صارت ملكة تحكم البلاد ،وقد وصلت بحق إلى مكانة لم تصل لها النساء في أي موقع آخر على كوكب الأرض ،فكانت أشهر الآلهة من النساء، مثل الإلهة (إيزيس ) إلهة الأمومة في مصر القديمة والتي كانت من أهم معبودات الفراعنة وأقيمت لها عدة معابد من أشهرها معبدها في جزيرة فيله بأسوان.
و كذلك معبد (نفرتاري) ، المعروف باسم معبد أبوسمبل الصغير، والذى أقامه الملك رمسيس الثانى تكريما لزوجته الملكة نفرتارى ،ومعبد الملكة (حتشبسوت ) في الأقصر، ومعبد دندرة الذى كرس لعبادة الإلهة (حتحور ) إلهة الحب والجمال والموسيقى في مصر القديمة ،أما أكثر النساء تأثيرا في مصر القديمة فقد كانت الملكة (نفرتيتي) ، و التي كانت صاحبة شخصية عظيمة وفلسفة متفردة جعلتها المرأة الأكثر تأثيرا ربما في التاريخ بأسره.
لذا فقد كان تكريم النساء يصل بالفعل إلي حد التقديس ،فعلي حد قول الرحالة اليوناني "ماكس ملر" "ليس ثمة شعب قديم أو حديث قد رفع منزلة المرأة مثل ما رفعها سكان وادي النيل". فالنقوش تصور النساء يأكلن ويشربن بين الناس ، ويقضين ما يحتجنه من المهام في الشوارع من غير رقيب عليهن ولا سلاح بأيديهن ، ويمارسن الأعمال الصناعية والتجارية بكامل حريتهن.
و هذا ما أدهشه - فقد إعتادوا أن يحرموا نسائهم السليطات من مثل هذه الحرية ، و لذلك أخذوا يسخرون من الأزواج المصريين الذين تتحكم فيهم زوجاتهم.
فالمرأة هي نصف المجتمع التي إن صحت مادياً و معنوياً و تحررت من أغلالها و عوملت المعاملة التي تليق بها كما أمر الله' صلح المجتمع و استقام و اعتدلت كفتي الميزان بين نصفيه .
و كذلك المرأة هي الأم و الزوجة التي تعد عماد الأسرة و رمانة الميزان بها ، و هي التي تجاهد بحق من أجل الحفاظ علي تلك الأسرة و بقائها و تبذل ما بوسعا و ما يفوق طاقتها للم شملها حتي و إن كان الزوج غير مبالي !
غير أن قدرة المرأة علي التحمل كبيرة جداً و عظيمة ، فما تبذله النساء من مجهودات و ما تتحمله من أعباء لا يقل عن جهاد الجنود علي جبهات القتال في الحروب الكبري .
و قد أمر المولي عز و جل بتكريم المرأة و إنصافها و تقديرها و الرفق بها و حسن معاملتها و حذر من ظلمها و قهرها و إهمالها و زجرها دون وجه حق .
فكيف لنا أعزائي أن يتعسنا الحظ بالحياة في مجتمعات ذكورية تدعي كذباً المساواة و الإعتدال و تقدير النساء و منحهن كافة حقوقهن دون ظلمهن و النيل من كرامتهن و كبريائهن ووأد عبقرياتهن و التقليل المتعمد من شئونهن ؟
بل أن الأزمة التي باتت تهدد المجتمع بأسره هي العبث مادياً و معنوياً بتلك المخلوقات الرقيقة بطرق غير آدمية تبدأ من التحرش اللفظي و الجسدي و تنتهي بالضرب و التعذيب و ربما التشويه في بعض الأحيان !
و المذنب هنا ليس شخص محدد بعينه كالزوج أو الأب أو الأخ أو الإبن أو المتحرش و المغتصب و إنما هو ذنب المجتمع كله الذي أصابه الجهل و التراجع الديني و الثقافي و التعليمي بشكلٍ غير مسبوق ليعتنق أفكار الجاهلية و يعود للخلف مئات السنين !
فهل لنا من صحوة نستفيق بها من غفلتنا و نعود بها إلي مكانتنا الطبيعية التي يجب أن نكون عليها لننجو بنصف المجتمع و رمانة ميزانه و الإنصياع عن اقتناع لتقدير القيادة السياسية للمرأة و دعمها و تمكينها لتكتمل الصورة عن حق .