طلبت المحكمة من سليمان الحلبى وباقى المتهمين معه بقتل «كليبر» أن يختاروا محاميا للدفاع عنهم، فأجابوا بأنهم لا يعرفون أحدا يعهدون إليه بهذه المهمة، فندبت المحكمة المترجم «لوماكا» للقيام بهذه المهمة، حسبما يؤكد عبدالرحمن الرافعى، فى الجزء الثانى من كتابه «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر».
بدأت المحكمة جلساتها يوم 15 يونيو 1800 «راجع، ذات يوم 15 يونيو 2021»، وواصلت جلساتها لليوم التالى 16 يونيو، مثل هذا اليوم، من عام 1800، ويؤكد الدكتور محمود متولى فى كتابه «مصر وقضايا الاغتيالات السياسية»، أن المحاكمة كانت علنية يشهدها جمهور من المصريين، وبدأ «سارتلون» المدعى العمومى، مرافعته، ويصفها «متولى» بأنها تضمنت «شرحا بديعا لظروف الجريمة وتفاصيلها إلا أنها حاولت الافتراء على التاريخ وانتزاع البطولة من سليمان ورفاقه وإظهارهم بمظهر الدمى فى أيد العثمانيين، مما يوحى أنهم ليسوا أصحاب مبدأ أو عقيدة أو قضية وإنما قتلة مأجورون»، كما يلاحظ أيضا أن المرافعة تعتبر أن مجىء الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت ثم كليبر لاحتلال مصر والشام «1798 - 1801» عملا عاديا لا تستوجب مقاومته.
يذكر «متولى» نص مرافعة «سارتلون» وتتضمن إشادة بكليبر..يقول: «انتزع خنجر القاتل قائدنا من بيننا فجأة وهو فى إبان ظفره وفخاره».. وأضاف: «سأستعرض الوقائع بسرعة وأكبح جهد الاستطاعة ما تثيره من السخط، فلتعلم أوروبا، بل ليعلم العالم كله أن الصدر الأعظم للدولة العثمانية، وأن قوادها وجيشها بلغوا جميعا من الخسة والنذالة أن أرسلوا وغدا سفاكا ليقتل القائد الشجاع المنكود كليبر الذى عز عليهم قهره، فأضافوا بذلك إلى هزيمتهم جرمهم الشنيع ولوثوا به أنفسهم أمام العالم بأسره»، ويعطى «المدعى العمومى» صفة «الفاتح» و»الكريم» لكليبر، ويزعم أن «المصريين يشعرون بذلك»، ويصف «سليمان» قائلا: «فتى متعصب كان يدرس ليكون فقيها فى مسجد، وحج إلى بيت المقدس وحج قبل ذلك إلى مكة والمدينة، لكن حمى الحماسة الدينية قد عصفت بتلك الرأس التى أضلتها النظريات الخاطئة عن كمال الإسلام حتى غدا يعتقد أن ما يسميه المغازاة وقتل الكفار هو خير الحسنات وأسماها»، ويعود المدعى العمومى إلى إظهار مناقب «كليبر» فيقول: «كان أول من جاز الدين على رأس جيوش الجمهورية، وانتزع مصر مرة ثانية من سيل العثمانيين الجارف، إن دموع الجند الذى كان لهم أبا شفينا، وأسف القواد الذين كانوا صحب أعماله وفخاره، وحزن الجيش وذهوله وحدها خليقة بأن ترثيه».
طالب «المدعى العمومى» فى ختام مرافعته: الحكم بإدانة المدعو سليمان الحلبى، وحرق يده اليمنى ثم يعدم على الخازوق، وتترك جثته حتى تلتهمها الجوارح، وأن يقضى على كل من محمد الغزى، وأحمد الوالى، وعبدالله الغزى، وعبدالقادرالغزى بقطع الرأس، وأن ينفذ هذا الحكم عقب تشييع جنازة القائد العام بحضور رجال الجيش وأهل البلاد، ويقضى ببراءة مصطفى أفندى ويخلى سبيله، وتطبع أوراق القضية بالعربية والتركية والفرنسية ثم تعلق على الجدران فى أنحاء البلاد المصرية.
يذكر «متولى» أنه بعد مرافعة «المدعى العمومى» تكلم الدفاع لكن كلامه كان صوريا، وتمت قراءة أوراق التحقيق ثانية، وحضر المتهمون إلى قاعة المحكمة دون أغلال، وسألهم رئيس المحكمة بحضور المترجم «لوماكا» الذى عينته المحكمة محاميا للمتهمين، عما إذا كان لديهم ما يثبت براءتهم فلم يجيبوا بشىء، وعندئذ أمر بإخلاء الجلسة من الحضور، وتداولت هيئة المحكمة فيما بينها ثم عادت إلى الانعقاد لإصدار الحكم، وقضت بالآتى:
أولا: تحرق اليد اليمنى لسليمان الحلبى، ثم يعدم فوق الخازوق، وتترك جثته فوقه حتى تفترسها الجوارح، وأن يكون ذلك خارج البلد فوق التل المعروف باسم العقارب، وأن يقع التنفيذ علنا عقب تشييع جنازة القائد العام بحضور رجال الجيش وأهل البلاد.. ثانيا: «يعدم عبدالقادر الغزى على الخازوق أيضا، وتصادر أمواله من عقار منقول لحساب الجمهورية الفرنسية.. يؤكد الرافعى: «كان عبدالقادر هاربا ولم يكن له مال».
ثالثا: يعدم كل من محمد الغزى وعبدالله الغزى وأحمد الوالى بقطع الرأس، ثم توضع رؤوسهم فوق الرماح، وتحرق جثثهم بالنار، ويكون ذلك فوق تل العقارب أيضا وأمام سليمان الحلبى قبل أن ينفذ الحكم فيه.. رابعا: براءة مصطفى أفندى البورصلى وإطلاق سراحه.
قرأ المترجم «لوماكو» الحكم على المتهمين، يوم الثلاثاء 16 يونيو 1800، وتم تنفيذه يوم 17 يونيو 1800.. يذكر «كريستوفر هيرولد» فى كتابه «بونابرت فى مصر» ترجمة، فؤاد أندراوس: «لم يشك سليمان ويده تشوى على الجمر، ولكن حين نزلت جمرة إلى مرفقه نبه إلى أن الحكم لم يذكر المرفق، ورفع الخازوق قائما عليه ثم غرس فى الأرض، ورجا جنديا فرنسيا واقفا بقربه أن يعطيه شربة ماء، وكان على وشك أن يناوله زمزميته لولا أن منعه «برطلمين» الذى ينفذ الحكم، قائلا: أقل شربة من الماء كفيلة بقتله فورا، فيتعطل بذلك مجرى العدالة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة