ساهمت التطورات التكنولوجية فى تحسين وتبسيط الإجراءات التى تخدم الإنسان، لكن فى نفس الوقت قد أدت إلى ظهور آثار سلبية كالتعدى على حرمة المحادثات الشخصية بما أنتجته من أجهزة ووسائل استراق السمع والبصر، ولقد جرم التشريع الاعتداء على المحادثات الشخصية لما لها من حرمة، فجريمة الحصول على حديث خاص كسائر الجرائم لها ركنان مادى ومعنوي، فالمادى يتمثل فى استراق السمع أو التسجيل أو نقل محادثة جرت في مكان خاص أما الركن المعنوي فيتخذ القصد الجنائي.
وفى الحقيقة الدستور المصرى أقر بأن "الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس" وهى إحدى المواد التى تعزز حرمة الحياة الخاصة، وتوضح أن انتهاكها جريمة يعاقب عليها القانون، ولم يكتف الدستور بالمادة 54 فقط للحث على صون الحرية الشخصية بل أشار فى المواد 57 و58 و59 وغيرها إلى تأكيد حماية الحرية الشخصية للفرد، وعلى أن كل اعتداء على الحرية الشخصية وغيرها من الحقوق والحريات العامة جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية الناشئة عنها بالتقادم.
جريمة انتهاك حرمة المحادثات الشخصية
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية يتعرض لها الكثيرين في الوقت الراهن تتمثل في - انتهاك حرمة المحادثات الشخصية – وذلك في الوقت الذى يعد فيه حرمة الحياة الخاصة أحد أنواع الحقوق الشخصية، ويحدد هذا الحق للفرد الكيفية التي يعيش فيها كما يروق له، وذلك مع أقل قدر ممكن من تدخل الغير في حياته، إذ يملك الفرد الحق في الحفاظ على سرية الحياة الخاصة به، وعدم جعلها عرضة لأن تلوكها ألسنة الناس، أو أن يكون موضوعاَ للنشر حيث أن الإنسان له الحق أن يترك وشأنه يعيش حياة هادئة بعيدة عن العلنية والنشر – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض إسماعيل بركة.
في البداية – الحق في حرمة الحياة الخاصة هو كل ما يتعلق بذاتية الشخص ويؤول إليه وتعنى حرية الفرد في عدم إفشاء معلوماته الشخصية والاحتفاظ بكل ما يتعلق بحياته الخاصة، ونطاقها يمتد على كل ما يتعلق بحياته العائلية والمهنية والصحية، ودخله، ومعتقداته الدينية والسياسية والفكرية، ومراسلاته ومحادثاته وجميع المظاهر غير العلنية في الحياة العملية للفرد، حيث أن النص التجريمى ورد على تجريم انتهاك حرمة المحادثات التليفونية، وذلك في قانون العقوبات والتي نصت على ما يلي: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضا المجني عليه، بالتقاط أو تسجيل أو نقل مكالمات أو أحاديث خاصة أو سرية، بغير إذن صاحبها أو رضاه – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض إسماعيل بركة.
هل يمتد الجرم للاستماع للمذكرات الشخصية
في البداية – يجب أن نعلم أن أركان جريمة انتهاك حرمة المحادثات الشخصية وهي أركان ثلاثة: الركن الأول: موضوع أو محل الجريمة، والركن الثانى: الركن المادي وعناصره النشاط والنتيجة، والركن الثالث: وهو الركن المعنوي وصورته القصد الجنائي، ومن تحليل صياغة التجريم، فإنه يبدو من ظاهرها أن المشرع يتطلب في محل الجريمة أو موضوعها حديث دار بين أكثر من طرف، وذلك باستعماله صيغة الجمع "محادثات"، ولكننا نرى كما جانب من الفقه إلى أن الحماية تمتد أيضا إلى حديث النفس المسموح، وهو الحديث الفردي الذي ينطبق به الشخص اعتمادا على أنه في مــأمن من أن يسمعه آخر، كما في حالة قيام الشخص بالتسجيل الصوتي لمذكراته أو لأفكاره – وفقا لـ"بركة".
ما هو الحديث الذى قصده المشرع في العقوبة؟
والحديث محل الحماية كل صوت له دلالة أو معنى عند سماعه حتى ولو كان رمزا طالما أن لهذا الرمز معنى مفهوم، بل ويتسع مفهوم المحادثة متى جرى بالإشارة وكانت وسيلة الانتهاك هي نقل بواسطة الدائرة التليفزيونية أو الكاميرات المخفية في مكان المحادثة أو أجهزة تنصت، ومن ثم فإنه يخرج من مفهوم المحادثة بالمعنى السالف ذكره، كل أصوات أو إشارات أو رموز لا تدل على معنى، وفي تقديرينا أن الأصوات التي لها مدلول موسيقي أو تلك المعروفة في علم الموسيقى تتمتع بالحماية الجزائية وتصلح أن تكون محلا للانتهاك – الكلام لـ"بركة".
وفى حقيقة الأمر - لا يكفي أن تكون هناك محادثة على النحو السالف ذكره، حتى يتدخل المشرع بحمايتها، وإنما يجب أن تكون خاصة ووجه الخصوصية أو معيارها لا يتعلق بالمحادثة ذاتها، أي تعلقها بموضوعات خاصة بأطرافها أو ممن صدرت منه، وإنما المعيار هنا هو معيار مكاني حيث يلحق بها هذا الوصف أي وصف المحادثة الخاصة متى تمت عبر الهاتف سواء كان ثابتا أو نقلا، وينصرف مفهوم المكان الخاص إلى كل حيز مكاني ثابت أو منقول لا يمكن دون استراق أو تسجيل أو نقل سماع ما يدور بداخله، وإن أمكن مشاهدة من بداخله، ولا يجوز دخوله إلا بموجب موافقة مالكه أو حائزه أو ممن تربطهم رابطة خاصة وظيفية أو مهنية، ومن ثم تنسحب أحكام الحماية الجزائية على الحديث الذي يتم في هذا المكان ولو تناول أمورا عامة ليست لها صفة الخصوصية – هكذا يقول الخبير القانونى.
هل المشرع يعتبر الهاتف مكانا خاصا
أما إذا أمكن سماع الحديث بواسطة ميكروفون داخل هذا المكان بنقل الصوت إلى خارجه بموافقة وعلم أطراف هذا الحديث، فإن مثل هذا الحديث تنتفى عنه الخصوصية ولو تم في مكان يندرج في مفهوم المكان الخاص بالتعريف السالف ذكره، وعلى سبيل الاستثناء من المواصفات أو الخصائص التي يحل توافرها في المكان حتى يتمتع بصفة الخصوصية، ومن ثم انسحابها على الحديث أو الأحاديث التي تدور بداخله، اعتبر المشرع الهاتف مكانا خاصا ومن ثم أسبغ الخصوصية على الأحاديث التي تتم من خلاله حتى ولو كان هذا الهاتف في مكان عام ودون توقف على طبيعة موضوع الحديث .
ومن الواضح أن المعيار هنا ليس معيارا مكانيا، وإنما المعيار هنا هو الأداة التي استخدمت في المحادثة والتي تعطى أطرافها إحساسا متزيدا بالخصوصية، ويتكون هذا الركن من عدة عناصر السلوك أو النشاط الإجرامي، والذي حدده الشارع في استراق السمع أو تسجيل الحديث أو نقله وعدم رضاء المجني عليه والنتيجة وهي الحصول على هذا الحديث وعلاقة السببية، وحدد المشرع على سبيل الحصر عدة صور أو أشكال يمكن للجاني أن يرتكبها أو ينتهك بها حرية الحديث أو الأحاديث الخاصة، وليس هناك ما يحول دون اجتماع هذه الصور أو الأشكال، ولكن القيام بارتكاب صورة واحدة منها وكافي لتحقق هذا العنصر من عناصر الركن المادي في هذه الجريمة.
متى ينفى عن الفعل صفة التجريم؟
ويقصد به الاستماع إلى الحديث خلسة أو في غفلة دون أن يفطن أطرافه إلى قيام الجاني باستراق السمع وسواء كان ذلك باستخدام جهاز أو بدون ذلك أي باستخدام إذن الجاني، وهو حفظ الحديث الذي تم على مادة من خواصها حفظ الأصوات وإعادتها أو تكرار سماعها، وذلك بواسطة الاختزال، ومن الملاحظ أن كافة صور أو أشكال السلوك الإجرامي للجاني والتي وردت في هذا العنصر يمكن أن تقع داخل المكان، أو بواسطة الهاتف متى استخدم في المحادثة، كذلك فإنه ليس هناك ما يحول دون تعدد أو اجتماع هذه الصفة أو الأشكال للسلوك الإجرامي، أو أن يرتكب الجاني صورة واحدة منها.
هذا وتجريم الحديث أو تسجيله أو نقله، يفترض عدم رضاء المجني عليه، بمعنى أن رضاء المحكي عليه الصريح أو الضمني والصادر عن إرادة واعية حرة مدركة مميزة ينفى عن الفعل صفة التجريم، وقد أفترض المشرع الرضاء إذا صدرت الأفعال السابقة أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في هذا الاجتماع، حيث رضاء هؤلاء مفترضا، وبحسب صياغة هذا العنصر، فإن البعض من الحاضرين إذا لم يكن التسجيل أو النقل أو استراق السمع على مسمع أو مرأى منهم فلا يفترض رضاءهم في هذه الحالة.
ويتعين الحصول على الحديث، وذلك بعد ارتكاب الجاني السلوك أو النشاط الإجرامي في صورة من صورة المختلفة، فإذا لم يتم الحصول عليه لعطل في الأجهزة أو لضبط الجاني قبل استخدامه لها أو قبل بدء الحديث فإن عنصر النتيجة ينتفي، ولتحقيق هذا العنصر، فإنه يتعين أن يكون الحصول على الحديث ناجما عن السلوك أو النشاط الإجرامي والذي يتمثل في استراق السمع أو التسجيل أو النقل، وأن تكون إرادته حرة ومدركة ومميزة ولا تتوقف على إرادة الفعل أو النشاط وإنما أيضا إرادة النتيجة.
العقوبات المقرر لانتهاك حرمة المحادثات الشخصية
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجني عليه.
1-استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.
2-التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.
المادة (25) من قانون الجرائم الإليكترونية، تنص على يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما فى حكمها، انتهاك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.