ربما يبقى الدور الذى تلعبه مصر في دعم للقضية الفلسطينية ليس بالأمر الجديد، حيث كانت القاهرة بمثابة اللاعب الرئيسى الذى دائما ما يتصدى لمحاولات تهميش القضية، وهو ما يجد جذوره في التاريخ المشرف للدور المصرى منذ بداية القضية، عبر دماء المئات من أبنائها، وكذلك من خلال دور دبلوماسي بارز، يمثل الأساس الذى انطلقت منه كافة الخطوات الذى اتخذتها الحكومات المصرية المتعاقبة منذ السبعينات من القرن الماضى، في ظل دعم كبير قدمته لإنجاح كافة المفاوضات، القائمة على أساس حل الدولتين، والذى يحظى بالشرعية الدولية باعتباره محل إجماع داخل المجتمع الدولى.
ولعل التهدئة التي تحققت بفعل الجهود المصرية، في قطاع غزة والضفة الغربية، في الآونة الأخيرة، ليست أكثر من امتداد للدور الفعال التي تلعبه مصر، حيث سبق لها وأن تمكنت من تحقيق العديد من الاتفاقات المشابهة في الماضى، سواء البعيد أو القريب، وذلك لحماية الفلسطينيين، من نيران الاحتلال وبطشه، في ظل رغبته الجامحة في تغيير الأمر الواقع عبر إحداث تغيير ديموجرافى، من خلال تهجير السكان العرب، وتحويل هوية الأراضى الفلسطينية، وفى القلب منها مدينة القدس المحتلة.
إلا أن الجديد في الدور المصرى، أنه لا يتوقف على مجرد تحقيق التهدئة العسكرية، ودحض العدوان لحماية السكان، خاصة في قطاع غزة، حيث ارتكز، هذه المرة، على بعد جديد، يقوم في الأساس على فكرة "إعادة الإعمار"، عبر المبادرة التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسى، والتي خصصت خلالها مصر 500 مليون دولار لتحقيق هذا الهدف، ف انعكاس صريح لإدراك الإدارة المصرية، ليس فقط لحجم الخراب والدمار الذى لحق بالقطاع إثر العدوان الإسرائيلي، وإنما لاستراتيجية، تقوم على حقيقة مفادها أن التنمية تمثل ضلعا رئيسيا لتحقيق الاستقرار والأمن.
الاستراتيجية المصرية، ربما تجد جذورها في الداخل، وهو ما تجلى بوضوح في المسارين اللذين اعتمدتهما الدولة، منذ انطلاق حقبة 30 يونيو، أولهما يقوم على خوض المعركة العسكرية والفكرية والدبلوماسية، ضد التهديدات الأمنية التي واجهت العديد من المناطق، والتي لم تقتصر نطاقها على الداخل، وإنما كان الدعم الخارجي لها متجليا بوضوح، من أجل زعزعة الاستقرار والنيل من المصريين، الذين قالوا كلمتهم لتصحيح مسار بلادهم من ناحية، بينما كانت التنمية هي الجناح الأخر، الذى لا يمكن التخلي عنه لتحقيق طفرة اقتصادية، تزامنت مع انتصارات مدوية، أدت في نهاية المطاف إلى دحض الإرهاب.
وتعد سيناء، والتي تتشارك في حدودها مع قطاع غزة، نموذجا ملهما للاستراتيجية المصرية، حيث كانت هدفا للإرهاب الدولى، بينما كانت محاولات الدولة للدفاع عنها، واستعادتها من مخالب جماعات الدماء والظلام، ذات أبعاد متنوعة، من أهمها تحقيق التنمية في تلك القطعة الغالية من أرض مصر، وهو ما يعكس فكر القيادة الحالية، والذى يقوم على أساس أن التنمية وإعادة الإعمار أحد الأسلحة الهامة، لمحاربة دعاة الفوضى وعدم الاستقرار
وهنا يمكننا القول بأن الاستراتيجية المصرية تحولت من نهج داخلى، إلى ما يشبه الدبلوماسية، التي اتجهت القاهرة نحو توسيعها، عبر تطبيقها في مناطق نفوذها وعمقها الاستراتيجي، وعلى رأسها قطاع غزة، في إطار رسالة مفادها، أن الدور الذى تلعبه مصر يحمل في طياته بعدا إنسانيا، بعيدا عن أبعادها الصلبة الأخرى، سواء سياسيا أو عسكريا أو غير ذلك، وهو ما يعكس أبعادا جديدة للرؤية المصرية، والتي يمكن تعميمها في إطار دبلوماسي، في ظل حالة الزخم الكبير التي يشهدها الدور المصرى في المرحلة الراهنة.