يعتبر فيلم الناصر صلاح الدين من أهم الأفلام التاريخية فى تاريخ السينما المصرية وبلغت تكلفته تكلفة كبيرة وتوفرت له كل عناصر النجاح، حيث أخرجه المخرج العالمى يوسف شاهين بعد أن بدأه المخرج الكبير عز الدين ذو الفقار ولكن بسبب مرضه استكمله شاهين، كما شارك فى الفيلم عدد من كبار النجوم وعمالقة الفن ولم تبخل المنتجة آسيا داغر بأى أموال حتى يخرج الفيلم ومشاهده فى أحسن صورة لدرجة أنها رهنت كل ما تملك فى سبيل إنتاج هذا الفيلم الذى يعد علامة من علامات السينما المصرية.
ولكن تخيل عزيزى القارئ أن هذا الفيلم واجه صعوبات كبيرة ومشكلات كادت تحول دون خروجه للنور، منها أن الرقابة رفضت سيناريو الفيلم، رغم قوة القصة.
وفى عدد نادر من مجلة الكواكب صدر عام 1961 نشرت المجلة وضوعًا تحت عنوان "رقابة السينما ترفض سيناريو الناصر صلاح الدين"، وذكرت المجلة أن الرقاب رفضت قبل أيام من صدور هذا العدد سيناريو فيلم صلاح الدين وأنه لأهمية هذا الفيلم للسينما العربية واتجاه الأنظار كلها إليه توجهت الكواب إلى مدير الرقابة وقتها محمد على ناصف وكن عضوًا بمؤسسة دعم السينما التى تشترك فى تمويل الفيلم لسؤاله عن أسباب رفض السيناريو.
ووجهت الكواكب عددًا من الأسئلة لمدير الرقابة الذى أشار إلى أن سيناريو الفيلم المقدم للرقابة لم يكن يرقى إلى مستوى الموضوع وخطورته كقصة لها أهداف قومية، حيث تجسد شخصية صلاح الدين، وأن المزج بين التاريخ والحوادث الخيالية فى الفيلم لم يكن موفقًا، وأن القصة فى مجملها ضعيفة البنيان من ناحية بناء الشخصيات والحور والحبكة الدرامية.
وأكد مدير الرقابة اشتراك مؤسسة دعم السينما فى إنتاج فيلم الناصر من الدوافع القوية لرفض السيناريو بالشكل المقدم للرقابة لأنه يجب أن ينتج قوياً مشرفاً أو لا ينتج على الإطلاق، لأنه لا يجب أن تنظر إليه الرقابة نفس نظرتها للموضوعات الأخرى.
وكان الفيلم تعطل قبل ذلك لمدة عامين بسبب الظروف الإنتاجية، فأكد مددير الرقابة أنه لا بأس من أن يتأخر فترة أخرى لإصلاح عيوب السناريو.
وقال مدير الرقابة إن مؤسسة دعم السينما منحت عز الدين ذو الفقار مبلغ 2500 جنيه لإعداد السيناريو ، واقترح أن يعطى السيناريو لخبير كبير مثل روبرت أندروز الذى كتب سيناريو فيلم وا إسلاماه، قائلاً: "أعتبر فيلم صلاح الدين أهم كثيراً من وا إسلاماه".
وأشار مدير الرقابة إلى بعض النقاط التى رأت فيها الرققابة ضعفاً فى السيناريو وأدت إلى رفضه ومنها واقعة علاج صلاح الدين لريتشارد قلب الأسد، مؤكداً أن هذه الواقعة مشكوك فى صحتها رغم أن السيناريو اعتمد فيها على بعض المصادر التاريخية .
وأكد مدير الرقابة أنه لا مانع عنده من الاستعانة بهذه الرواية ولكن اعتراضه أن السيناريو استخدمها بطريقة مضحكة – على حد قوله - حيث طعن واحد من الصليبين ريتشارد طعنة مميتة وقال طبيبه الخاص أن شفاءه ميئوس منه، وخرج أنصار ريتشار من خيمته وهم يصيحون "مات الملك ريتشارد، يحيا الملك جون" ، وبعدها يدخل صلاح الدين متقمصاً روح سيدنا موسى ويعالجه فيشفى بقدرة قادر، مؤكداً أن هذه إحد المبالغات فى السيناريو.
وأضاف مدير الرقابة أن هناك نقطة مبالغة أخرى عندما نجد ريتشارد الذى كان فى حكم الميت يدخل فى نقاش طويل مع صلاح الدين ويهدد ويثور ويقول أنه سيجعل بيت المقدس خراباً ثم يقوم قوياً ويوقف جيوشه الجرارة ويغير سيرها.
وبسؤال الخرج الكبير يوسف شاهين وقتها عن ملاحظات الرقابة على السيناريو أجاب بأنها لم تصله بشكل رسمى وحين تصله سيعدل ويغير هو والمنتجة لتنفيذ الحد المعقول من تعليمات الرقابة، كما أكدت أسيا أن السيناريو تم التعديل عليه بعد إرساله للرقابة ، مؤكدة أن عز الدين ذو الفقار الذى وضع السيناريو كان مريضاً ولم يتمكن من وضع كل التعديلات ولكنها ستسعى لتعديل ملاحظات الرقابة.
وبالفعل تم التوافق على التعديلات وخرج فيلم الناصر صلاح الدين ليكون أحد أهم الأفام فى تاريخ السينما العربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة