لم يتعد عمره بعد 14 عامًا، حينما أجلسه أحد أقاربه على دكة التلاوة، وتهامس المعزين فيما بينهم "كيف لهذا الغلام أن يعتلى مكان الكبار"، غير أن الغلام لم يكترث بنظراتهم وهمساتهم وجلس بكل ثقة في النفس، وما أن بدأ بقوله " بسم الله الرحمن الرحيم" بصوت عذب أخاذ حتى سكت من كانوا يتهامسون منصتين صاغين لهذا الصوت الشجى الخاشع، معبرين عن دهشتهم وإعجابهم به بعبارات من قبيل "الله .. فتح الله عليك يا بنى" ... وفى نهاية التلاوة هرول إليه أحد كبار القراء الذين كانوا يحضرون العزاء قائلاً له "سيكون لك شأن كبير يا شيخ أبو العينين ويجب أن تتقدم للإذاعة".
الشيخ أبو العينين شعيشع يحمل عددا من الأوسمة
ولد الشيخ أبو العينين شعيشع، فى 12 أغسطس عام 1922، في مدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ، وكان الابن الثانى عشر لأبيه، ويحكى شعيشع عن والده قائلاً: "والدى كان يريد إلحاقى بكلية الشرطة لأصبح ضابط بوليس غير أنه توفى وعمرى 9 سنوات وبعدها بنحو عام نصح بعض الأهل والدتى بأن تلحقنى بكٌتاب القرية لأحفظ القرآن الكريم، وبالفعل التحقت بالكتاب وحفظت القرآن وعمرى 12 عامًا".
بدأ صيت الشيخ أبو العينين شعيشع يذيع في قريته والقرى المجاورة، خاصة بعد مشاركته بالتلاوة فى حفل أُقيم بمدينة المنصورة فى ذلك العام، والتى تبعدُ عن مدينة بيلا بحوالى 27 كيلو متراً فقط، كما يروى شعيشع أنه كان في القاهرة مع أحد أقربائه وحضر عزاء معه، وطلب منه أن يصعد على دكة التلاوة ويقرأ ما تيسر من القرآن، فأعجب به المعزون، قائلاً: "فوجئت بأحد كبار القراء يأتي إلى ويثنى على تلاوتى هذه ويقول لى لماذا لم تلتحق بالإذاعة فضحكت كثيرا فكيف لى أن ألتحق بالإذاعة التي بها فطاحل مثل الشيخ محمد رفعت والشعشاعى والصيفى وغيرهم".
الشيخ أبو العينين شعيشع يعزف على العود
كان للشيخ أبو العينين أخًا من مشاهير قراء المنصورة، وهو الشيخ "أحمد شعيشع"، وكان الشيخ أبو العينين يذهب معه في الحفلات والعزاءات التي يتلو فيها ليقابل مع شقيقه القراء ويستمع إليهم، من بينهم الشيخ عبد الفتاح الشعشاعى والشيخ محمد الصيفى والشيخ محمد رفعت، وذات ليلة كان الشيخ أحمد متعباً، فحل محله الشيخ أبو العينين، وسمعه الشيخ محمد رفعت فأعجب به، وتنبأ له بمستقبل باهر.
ويروى مصطفى أحمد شعيشع، بن الشقيق الأكبر للشيخ أبو العينين، لـ "اليوم السابع"، أن والده كان حريصًا على تعليم عمه الشيخ أبو العينين تلاوة القرآن الكريم وكان يصطحبه معه في الحفلات التي كان يقرأ بها، لافتا إلى أن الأسرة ستحيي اليوم ذكرى عمه الشيخ أبو العينين شعيشع في مدينة بيلا بكفر الشيخ بحضور عدد من محبى وتلاميذ الشيخ لتلاوة ختمات من القرآن الكريم على روحه.
الشيخ أبو العينين شعيشع مع أحفاده
ويعتبر الشيخ أبو العينين شعيشع، من أصغر القراء الذين التحقوا بالإذاعة، حيث التحق بها في عام 1939 وعمره لم يتجاوز بعد 17 عامًا، وعرف عنه تأثره بالشيخ محمد رفعت، ولما كان شعيشع متأثرًا بالشيخ محمد رفعت، استعانت به الإذاعة لإصلاح أجزاء تالفة من تسجيلات الشيخ محمد رفعت دون أن يحصل على أجر.
رسخ الشيخ أبو العينين شعيشع، مدرسة خاصة به واتخذ أسلوبًا فريدًا في التلاوة وذلك بداية من منتصف الأربعينيات، وبدأت شهرته ومدرسته الخاصة تذيع صيتها في مصر والعالم، حتى أنه كان أول قارئ مصري يتلو القرآن الكريم في المسجد الأقصى مرتلاً.
الشيخ أبو العينين شعيشع يقرأ في القصر الملكى
ويشير مصطفى شعيشع، بن شقيق الشيخ أبو العينين، إلى أجر الشيخ أبو العينين فى بلغ عام 1948، "100 جنيه" فى الليلة الواحدة، كما أنه أصبح يتقاضى 25 جنيهاً عن كل إذاعة له من محطة القاهرة، وسافر إلى بغداد فى أيام الملكية وتقاضى 3 آلاف جنيه.
وفى عام 1969م عُين الشيخ أبو العينين شعيشع، قارئاً لمسجد عمر مكرم بميدان التحرير، وسط القاهرة، ثم قارئاً لمسجد السيدة زينب عام 1992م، وناضل كثيراً فى بداية السبعينات من القرن الماضى لإنشاء نقابة القراء مع كبار قراء القرآن الكريم فى مصر حينذاك.
انتُخب الشيخ أبو العينين شعيشع، نقيباً لنقابة القراء منذ عام 1988م، خلفاً للقارئ الراحل الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، وظل نقيباً لها حتى وفاته، كما عُين عضواً بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعميداً للمعهد الدولى لتحفيظ القرآن الكريم، وعضواً للجنة اختبار القراء بالإذاعة والتليفزيون، وعضواً باللجنة العليا للقرآن الكريم بوزارة الأوقاف، وعضواً بلجنة عمارة المسجد بالقاهرة.
شعيشع والرئيس الراحل جمال عبد الناصر خلال الاحتفال بثورة يوليو
وحصل الشيخ أبو العينين شعيشع، على وسام الدولة عام 1989 كما حصل على وسام الرافدين من العراق، ووسام الأرز من لبنان، ووسام الاستحقاق من سوريا، وفلسطين، وأوسمة من تركيا، والصومال، وباكستان، والإمارات العربية المتحدة، وبعض الدول الإسلامية.
الشيخ أبو العينين شعيشع
تنبأ الشيخ أبو العينين شعيشع بمستقبل الكثير من القراء سواء ممن تتلمذوا على يديه أو غيرهم مثل الشيخ محمد المهدى شرف الدين والشيخ حجاج الهنداوى، وفى بداية الستينيات أصيب الشيخ بمرض أثر على أحباله الصوتية فلم يستطع القراءة، ثم عاد إلى التلاوة من جديد بعد شفائه، إلى أن توفى يوم الخميس 23 يونيو 2011م عن عمر يناهز 89 عامًا.