من يتأمل صورة مصر خلال السنوات الثمانى الأخيرة، يجدها أشبه بـ«بطل الأساطير»، أمام تحد، لكى يصل إلى هدفه عليه أن يعبر البحور والفخاخ السبعة، وأن ينتصر على الوحوش والتنانين، ويعبر البراكين والبحيرات المسمومة، وكان البطل ينتصر بقوته وإصراره على كل هذا.
هذه هى الأسطورة، لكن مصر خلال 7 سنوات بدت مثل هذا البطل، تتحرك فى سباق ضيق وهناك من يطلق النار، ويفجر، ويضع العراقيل ويطلق الشائعات ويستهدف نفسية المجتمع، ويزرع الشك فى أن تستطيع هذه الدولة أن تستعيد مجرد حياتها، حيث كان هناك من يراهن على أن الفشل حتمى فى ظل عجز وارتباك.
كان التصور أنه إذا حاولت مصر أن ترمم اقتصادها وتبنى قدراتها الداخلية سوف تستغرق عقودا، ولا يمكن للاقتصاد المصرى «أن يشم أنفاسه»، باقى الرهان أن انشغال مصر بإصلاح الداخل اقتصاديا واجتماعيا، لن يترك لها وقتا لبناء قوتها العسكرية والسياسية والخارجية، أو تأثيرها الإقليمى، ما يجعلها دولة ضعيفة فاشلة أو منكفئة على نفسها سنوات، ما يمنح الدول الأخرى فرصة لبسط نفوذها والسيطرة على المنطقة بما فيها مصر، وإذا حاولت مصر بناء دورها الإقليمى، وهو أمر يبدو وقتها مستبعدا، فإنها سوف تواجه صعوبة الوضع الداخلى، وتفقد قدرتها على إصلاح الداخل.
هناك إرهاب متربص، واقتصاد منهار يفتقد إلى ثقة المنظمات الدولية، التى تتشكك وترفض إقراض البلد فى وضعه ومع تقييمات سلبية من منظمات التقييم، كهرباء مقطوعة، أزمات فى الوقود والخبز، بنية أساسية متهالكة، بطالة، ومجتمع يغرق فى الشك وينظر للمستقبل بخوف وتردد.. خارجيا، كانت مصر معزولة، الدول الكبرى تنظر بشك وريبة، ومنصات الدعاية المتربصة ترسم صورة سوداء، هذا واقع كان معروفا ومحفوظا بالصورة والفيديو والمعلومة والأرقام.
المفارقة أن مصر اختارت الطريق الأصعب، ونجحت وسط ذهول المراقبين بل والأعداء أن تحل المعادلة الصعبة، عندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، لم يقدم وعودا بالرخاء، لكنه قدم شرحا صريحا وافيا للوضع داخليا وخارجيا، مع تأكيد بأنه يتحمل المسؤولية ويثق فى قدرة الشعب المصرى على التحمل والصبر، بدا الرئيس السيسى صادما، لكنه مصمم على حل المعادلة الصعبة، داخليا وخارجيا، وكان واضحا أن الرجل درس كل الملفات بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة وأعد الخطة مستندا للشعب المصرى، لم يلتفت لتحذيرات من قالوا إنه يمكن أن يفقد شعبيته، أو أن مصر ليست قادرة على مواجهة المتربصين وهم كثر، ومعروفون.
كانت كلمته «هنتعب ونسهر ونبنى بلدنا»، وكان لسان حال المراقبين والمتابعين أنها مجرد أحلام يقظة، لا يمكن أن تتحقق، وكان السؤال «من أين يمكن أن تأتى التمويلات والأموال مع اقتصاد متهالك بهذا الشكل؟»، بدأت عملية التنفيذ الصعبة التى لم تكتف بالإنقاذ لإبقاء الدولة المصرية، لكن دفعها نحو الأعلى بخطوات أسرع من المتوقع. ولا يمكن لأكثر الناس تربصا أن ينكر أن ما جرى فى مصر خلال 7 سنوات أقرب لمعجزة.
بدأت الدولة عملية إصلاح اقتصادى مؤلمة، تعويم الجنيه، وإنهاء ازدواج سعر العملة، وتعديل سعر الوقود وإعادة هيكلة الدعم، بحيث يستفيد الأكثر احتياجا، مع علاج سريع للأعراض الجانبية، من خلال معالجات اجتماعية ومضاعفة التمويل المباشر، معاشات تكافل وكرامة، ومبادرة حياة كريمة.
فى نفس الوقت كانت مصر تواجه إرهابا مدعوما نجح فى إسقاط دول، توقفت التفجيرات، وتم إسكات البؤر الإرهابية، وانتهت أى ذكرى لانفلات أمنى، وعادت مصر آمنة، فى نفس الوقت كان الرئيس يعلن عن مبادرة علاج وإنهاء الفيروس الكبدى «سى»، الذى أكل أكباد المصريين على مدى عقود، حيث تم علاج ملايين المرضى بالمجان، ثم انطلقت مبادرة «100 مليون صحة»، وبالتوازى معها كانت عملية انتشال سكان العشوائيات وإنهاء عار بدا مستعصيا على الإنهاء، وتم نقل سكان العشوائيات إلى الأسمرات 1و2.
فى نفس الوقت كانت تتم عملية بناء محطات الكهرباء العملاقة، لتنتقل مصر من الظلام إلى عصر تصدير الكهرباء، توازيا مع شبكة طرق عملاقة وكبارى ومحاور وأنفاق، ومدن صناعية وأخرى سكنية من الجيل الرابع، مع إسكان اجتماعى لمحدودى الدخل.
خارجيا، انتقلت مصر من دولة معزولة، إلى مركز للتأثير إقليميا ودوليا، وتمثل هذا فى دورها لإنهاء الصراع فى ليبيا ودعم حوار سياسى يتجه بليبيا إلى الاستقرار، والدور المصرى فى فلسطين ومبادرات وقف العدوان، وعلاج الجرحى وتمويل بدء الإعمار، والمصالحة الفلسطينية، وعلاقات قوية كانت محل ثقة كل مراكز التأثير والنفوذ فى العالم، وعلاقات أفريقية وعربية، ومع أوروبا وأمريكا واليابان والصين وروسيا، حتى صارت القاهرة محل ثقة للتدخل والحل.
الآن بعد 7 سنوات تنتقل الصورة من اللون الداكن إلى الألوان المضيئة، وإلى واقع أكثر إضاءة، انتهى الإرهاب بتضحيات وصمود وبطولات أبناء الشعب من الجيش والشرطة، استعاد الاقتصاد قوته والثقة الدولية فيه، ونجح فى الصمود بينما اهتزت اقتصادات دول كبرى مع كورونا.
تم تغيير الصورة، وتحققت ما يشبه المعجزة، ومع كل هذا البناء، يعلن عن عاصمة إدارية جديدة وحديثة، تمثل رمزا لقدرات الدولة المصرية فى عبور كل هذه البحور السبعة، والألغام السبعة.. الإرهاب والإصلاح الاقتصادى والعشوائيات والفقر وفيروس سى وأزمة الطاقة والنفوذ الإقليمى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة