أدت الأحداث المتسارعة التي شهدتها مصر بداية عام 2011 إلى ظهور العديد من التهديدات والمخاطر الأمنية التي هددت أمن واستقرار الدولة المصرية بشكل مباشر، وكان في مقدمتها خطر الإرهاب الذي شهد تطورًا نوعيًا بفضل رعاية جماعة الإخوان لكافة مكوناته. وواجهت مصر موجة إرهابية هي الأكبر والأعنف في تاريخها اختلفت بشكل جذري عن إرهاب عقد التسعينيات من القرن الماضي، واستطاعت الدولة بتضحية أبنائها وحرفية أجهزتها المعنية من احتواء تلك الموجة والسيطرة عليها خلال السنوات السبع الماضية.
موجة إرهابية عنيفة
دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات أكدت أنه في 30 يونيو 2013 قرر الشعب المصري تنحية جماعة الإخوان عن حكم مصر، وهو ما استجاب له الجيش المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك برتبة فريق أول، واتخذت الجماعة منذ ذلك الحين طريقها الدموي للانتقام من الشعب بسبب قراره، ومن قوات الجيش والشرطة بسبب حمايتهم وتنفيذهم رغبة الشعب المصرى.
خلال النصف الثاني من عام 2013 قامت الجماعة بتكوين عدد من التنظيمات الإرهابية (حركة حسم – لواء الثورة – أجناد مصر) بكوادر من شبابها برئاسة القيادي الإخواني “محمد كمال”، وتنوعت عملياتها الإرهابية بين المسيرات المسلحة بمحيط المنشآت الحيوية وأقسام الشرطة، وزرع العبوات الناسفة واستهداف المنشآت والتمركزات الأمنية واغتيال ضباط الجيش والشرطة، واستهداف أبراج ومحولات الكهرباء والكنائس. وتنوع النطاق المكاني لتلك العمليات بين وادي النيل وشمال سيناء.
وشهد عام 2014 ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية وبلغ عددها 222 عملية، كان أبرزها هجوم تنظيم أنصار بيت المقدس على كمين كرم القواديس بشمال سيناء، الذي أسفر عن استشهاد 30 جنديًا وإصابة 31 آخرين. ثم وجهت الجماعات الإرهابية هناك أنظارها إلى القطاع السياحي وقامت بتفجير حافلة سياحية بواسطة فرد انتحاري في مدينة طابا وأسفرت عن وفاة 4 بينهم سائق مصري وإصابة 17 آخرين.
وفي عام 2015 حدثت طفرة في عدد العمليات الإرهابية في مصر ووصل عددها إلى 594 عملية، كان من أبرزها هجوم 1 يوليو في الشيخ زويد بشمال سيناء والذي يعد ملحمة سطرها أبطال القوات المسلحة، إذ كان هو الهجوم الأكبر والأعنف على قوات الجيش منذ ظهور الإرهاب في سيناء وحتى الآن، وأفشلت الخطة الأمنية المحكمة ومهارة المقاتلين المصريين الهجوم الذي كان يهدف إلى السيطرة على المدينة. وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة.
كسر حدة الموجة الإرهابى
عملت الدولة المصرية من عام 2014 على كسر حدة الموجة الإرهابية بكافة الطرق والوسائل، وعملت على تقوية الأجهزة الأمنية المستنزفة بالأساس من عام 2011 وإعادة صياغة استراتيجيات المواجهة لتتناسب مع حجم التطور الإرهابي القائم، وهو الأمر الذي لابد من أن يستغرق بعض الوقت، وأدت تلك الجهود إلى تراجع تدريجي في عدد العمليات الإرهابية، إذ انخفضت في عام 2016 إلى 199 عملية، بينما لم تتجاوز 50 عملية إرهابية في 2017، وفي هذا العام سعت الجماعات الإرهابية في سيناء إلى محاولة تصدرها المشهد مرة أخرى على غرار الأعوام السابقة، وقامت بتنفيذ هجوم دموي على مسجد الروضة ببئر العبد، وأسفر عن استشهاد 305 من المواطنين الأبرياء وكان من بينهم أطفال، وإصابة 128 آخرين.
وخلال عام 2018 حدثت 8 عمليات فقط، أما عام ٢٠١٩ فلم تشهد مصر فيه سوى عمليتين إرهابيتين وهما تفجير معهد الأورام الذي أدى إلى استشهاد ١٩ شخصًا وإصابة ٣٠ آخرين، والتفجير الانتحاري الذي وقع بمنطقة الدرب الأحمر وكان خلال مطاردة أمنية، ما أسفر عن استشهاد ٣ من رجال الشرطة بينهم المقدم رامي هلال بقطاع الأمن الوطني.
وفي عام 2020 والعام الجاري انخفضت العمليات الإرهابية في سيناء بشكل كبير، وتم إحباط الكثير منها نتيجة للضربات الأمنية المتلاحقة التي تنفذها قوات إنفاذ القانون هناك، بعد أن كانت سيناء مسرحًا للعمليات الضخمة التي أوقعت عددًا كبيرًا من الشهداء والمصابين، بينما لم تشهد محافظات القاهرة والوادي والدلتا أية عمليات إرهابية، وهو ما يؤكد أن الجهود المكثفة التي بذلتها مصر خلال السنوات الماضية تؤتي ثمارها.
الاستراتيجية المصرية لمواجهة الإرهاب خلال سبع سنوات
بدأت مصر مواجهتها مع الإرهاب منذ اللحظة الأولى انطلاقًا من الإيمان الكامل بخطورة هذه الظاهرة وما قد تسببه من انهيار دول بالكامل وإسقاط مؤسساتها، وهو ما حدث بالفعل في عدد من دول الإقليم، وذلك وسط توترات سياسية خطيرة مرت بها مصر في بداية هذا العقد، ومحيط إقليمي شديد الاضطراب.
ترتكز جهود الدولة المصرية لمكافحة الإرهاب وتحديدًا من عام 2014 على 3 محاور أساسية، المحور الأول: يقوم على رصد وتتبع كافة الشبكات الإرهابية داخل مصر وتفكيك قواعد الدعم اللوجيستي لها وقطع أوصالها وتجفيف منابع التمويل سواء من الداخل أو الخارج وتشديد الحصار المفروض عليها، وذلك بالتزامن مع تشديد أعمال الرقابة والتأمين على الحدود وكافة الاتجاهات الاستراتيجية بالتعاون مع كافة الأجهزة المعنية.
والمحور الثاني: يقوم على تنفيذ حملات المداهمة والضربات الاستباقية بالتعاون مع المواطنين في مختلف المحافظات وأهالي سيناء، والمحور الثالث: يقوم على البدء الفوري في مشروعات التنمية الشاملة والتنمية المستدامة في كافة أنحاء الجمهورية للارتقاء بالأوضاع المعيشية والاجتماعية للقضاء على البيئة المغذية للإرهاب، بالإضافة إلى تمكين الشباب واحتوائهم لحمايتهم من مخاطر الفكر والاستقطاب المتطرف.
التشريعات القانونية لمحاربة ومكافحة الإرهاب
صدر خلال السنوات الماضية حزمة من التشريعات القانونية لمحاربة ومكافحة الإرهاب، وفي مقدمتها قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين رقم 8 لسنة 2015.
وفي عام 2017 تم إدخال تعديلات على القانونيين السابقين، بصدور القانون رقم 11 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة الإرهاب وقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
وفي عام 2018 صدر قانون رقم 22 لسنة 2018 بتنظيم إجراءات التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين، وفي مارس الماضي أدخلت تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، بالإضافة إلى قانوني العقوبات ومكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002.
استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب
إيمانًا من القيادة السياسية باكتمال العناصر اللازمة للتوصل إلى استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في منتصف عام 2017 تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، الذي سيختص بصياغة استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة كل أشكال الإرهاب والتطرف واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها، ويضم المجلس مسؤولين حكوميين وأمنيين وقادة دينيين وسيكون له الصلاحية الكاملة لوضع الإطار القانوني والديني والإعلامي في مكافحة الإرهاب والتطرف على الصعيد الوطني، بالإضافة إلى اقتراح آليات وإجراءات أمنية وقانونية جديدة لمتابعة تنفيذ تلك الأطر.
على المستوى الإقليمي والدولي
لم تقتصر التحركات المصرية لمواجهة الإرهاب على المواجهة الداخلية وإنما بذلت عدة جهود لمحاربته على المستوى الإقليمي والدولي، ونذكر هنا ما ورد في التقرير الوطني حول جهود مصر في مكافحة الإرهاب الصادر في يوليو 2020 عن وزارة الخارجية المصرية والذي تم إعداده بالتنسيق مع الوزارات وأجهزة الدولة المعنية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة